الثلاثاء، 22 يونيو 2010

الكنيسة إحدي مؤسسات القمع التاريخية


لم يتردد احد علي ما يسمي دور عبادة بقدر ما تردد المصريون. ولم يستهلك شعبا من الشعوب آلهة بقدر ما استهلك المصريون. ولم يجري قمع شعب بكل الامكانيات والقدرات الاستبدادية بقدر ما قـُمِعَ المصريين. فهل كانوا يصلون ويعبدون من اجل استدامة القمع ام من اجل زواله؟ فلو صدق التساؤل الاول لاصبح الامر وكانهم يستعذبون القمع فيدعون لاستدامته في مساجدهم وكنائسهم ومعابدهم الممتدة بطول البلاد وعرضها، وإما ان الهتهم جميعها لا تقبل رجائهم ودعواتهم وتتركم في ضلالهم يعمهون. وتصبح صلواتهم لا نفع فيها ولا رجاء من اقامتها ولا لزوم لها.
اما إذا كان الطرح الثاني صحيحا فان تكرار المحاولة بالصلاة وبالدين هو الطريق الخاطئ لانجاز المهمة وبالتالي فان السر في بناء دور العبادة وجعلها تمتلئ بالمؤمنين المقيمين لصلواتهم هو من عمل الحكام لبقاء المصري متدينا اي مكبلا بالاستبداد ويصبح اللغز مفهوما وليس في حاجة الي ذكاء من نوع خاص؟

يعتبر المسيحيون المصريون انفسهم هم الاصل والبذرة الحقيقية السليمة التي لم تلوث للشعب المصري رغم ان الشعب المصري الحالي بكل طوائفه واعراقه ودمائه يحمل كل الجينات من مختلف الاعراق، وفي الثقافة يحملون كل الملوثات والفضلات من الثقافات والافكار والديانات والقيم التي اغتسل منها العالم المتحضر حاليا، فعالم اليوم هو عالم ديموقراطي، بينما لا يوجد في الشارع المصري سوي مخلفات كل الغزاة والتي مكانها الطبيعي صناديق القمامة.
ولا يعني ذلك ان فرص الاستحمام ولو مرة واحده كانت متعثرة او لم تكن ممكنة فالنيل يجري وبه مياه تكفي لغسل شعوب باكملها بل ما اكثر حكايات التطهر والتعميد بمياهه زمن الفراعنة. لكن يبدو ان المصريين قد ادركوا انه بتلويث النيل وافساد مياهه فلن تكون هناك حجة لاحد لان يلومهم علي ما هم فيه، فقاموا بقطع مجراه في مشروع هللوا وغنوا له، وبتلويث مياهه فلم تعد الدموع الايزيسية هي مصدر فيضانه بل مخلفاتهم وفضلاتهم الفكرية والمعنوية والاخلاقية.


يردد المصريون وعلي راسهم الزعامات الدينية لاكبر طائفتين في مصر ويجاريهم السياسيين ككومبارس يقف خلفهم بانهم شعب متدين. ولم يحاول احد تفنيد بؤس هذه الفرية الظالمة الفاسدة. فلا التدين مفخرة ولا عدمها رزيلة. لكن الفضيحة تكمن فيمن يحاول ابعاد الانظار او تضليل البصر عن ان غياب العقل نجاسة وجريمة يعاقب عليها البشر في العالم الحديث بكونهم ارهابيين. فالتديين هو المكافئ لغياب العقل واحالة كل شئ الي الفضاء العام.

ارتكب المصريون اكبر الجرائم التاريخية العنيفة في حق انفسهم عندما استدعوا المسيحية ثم رحبوا بالاسلام، وفي قول آخر اقرب الي الصحة والصواب انهم اغتسلوا من المنطق والعقل والفلسفة بالمسيحية فاصبح العدوان عليهم سهلا باستخدام الاسلام كاحد ادوات الاستبداد المتوطنه بارض مصر. اليس التوحيد بتر وتشويه للتعددية؟ قريبا ستشهد مصر القضاء تماما علي البلهارسيا، اما الاديان فنحتاج الي امر آخر لعلاج امراضها.

فبعد العيش في ظل الحكم اليوناني البطلمي والروماني استدعي المصريون الفكر التوراتي العبراني في مرحلته الاصلاحية الفاشلة تحت مسمي المسيحية. ولم يكن للتوراه ان تظهر الي الوجود لولا الهكسوس وغزوهم للبلاد، اي قبل ذلك بحوالي الف ومائتي عام، وخروجهم يتباكون علي ارض تفيض فولا وعدسا وبصلا وقثاءا. اشتاقوا اليها بعد المن والسلوي المجاني رغم ان الفول والعدس والبصل تحتاج الي جهد وعرق وعمل لا اعتقد ان هكسوس الزمن القديم او اقرانهم عرب العهد الحالي يمجدونه. فهل يستحق طبق الفول وفحل البصل وطبق السلطة كل هذا العرق والجهد لحيازته مقارنة بسيخ واحد من اللحم المشوي بعد افتراس الراعي لاحدي غنماته؟ انه سؤال لا يساله الا من لا يعرف العمل لكنه معتاد علي التطفل علي ما هو امامه من ثروة، ثم يفسر الامر بأنه قربان او تضحية من اجل اله يحب رشاش الدماء وريح القطر (رحم الله ابي العلاء).

لم تكن المسيحية غلي طريق دمشق باكثر من محاولة تنظيف واغتسال من رزائل بني اسرائيل اتي دونوها في العهد القديم. لكن المصريين استدعوها كاختراع جديد والهه مستحدثة. فهل كان المصريون يهودا وفي حاجة الي اصلاح ما افسده الدهر؟ وهل حاجتهم للمسيحية ضرورة بقاء؟ ولماذا بقوا علي مسيحيتهم حتي بعد ان جاء دين اكثر قمعا ليحكمهم وتوارت المسيحية بين اسوار الكنائس والمعابد القديمة بل وقبل اصحابها اللغة ليصلوا ويرتلوا بها الي الههم القديم رغم عدم التيقن هل نجح الاله التوراتي في امتحان التويفل TOEFL العربي ليدرك ما يقوله المؤمنين القدامي بعد التجديد باللغة الوافده؟

اخضع المصريون روما بجعل المسيحية ديانه شعبية في مصر، فما كان للحكام هناك الا بالاعتراف بها لضمان الاستمرار والسيطرة واحكام القبضة. فهل يضحي حاكم بحكمه وسطوته وثروته وجاهه من اجل محاربة وهم والتمسك بوهم آخر؟ تاتي الاوهام جميعا او تذهب جميعا ولا يبقي سوي كرسي السلطة ذو الجلال والاكرام. انها فلسفة الحكم قبل خلق آدم وقبل ان ينكح حواء في عملية هي زنا واضح لا لبس فيه، فلا شهود ولا عقد ولا اشهار ولا دفوف. فلماذا يقولون آدم عليه السلام؟

لم يمر قرنين من الزمان من استيراد المسيحية حتي زادت القبضة تشددا في مصر. فمادام الناس في حاجة الي التشدد والقمع فليكن القمع إذن دينيا وبقوة السلاح من اكثر الشعوب جوعا وفاقة. هكذا اتي العرب لسد ما بقي من فتحات وحتي لا يتسرب اي ضوء الي المقبرة التي رضي العالم القديم ان يرقد فيها مطمئنا الي ايمانه وفي رحمة من صلي وسبح وسجد له لالاف السنين. فصحيح تماما انه كان استعمارا سياسيا، وصحيح ايضا انه كان استعمارا دينيا. ولكن ما علاقة التحرر الوطني بالاستقلال وبالافكار والفلسفة والدين. الم يغزوا الدين كل اوروبا دون عسكرة او حروب فتح. لكن الخيبة الكبري هو السكوت عندما ياتي الدين علي اسنة الرماح ومع صليل السيوف ثم يسكت المتنطعون بالايمان المسيحي عن الاستقلال.

ففي زمن البطالمة والرومان اصبحت الاسكندرية مسرحا للعب سيناريو الديموقراطية الذي فشل المصريون في محاكاته منذ وحد مينا القطرين. فجميع الالهه اجتمعت، المحلي منها والوافد، واختلطت الافكار من شمال البحر الابيض بجنوبه بل ان العناصر والاعراق باتت كلها في تجانس اجتماعي فريد. فالاسكندرية مدينة بحرية. لكن الفشل كان لها بالمرصاد حيث تاسسست عندئذ القاعدة الذهبية القائلة: إذا كان هناك دين صحيح فلا بد أن الثاني خاطئ. وإذا كان هناك دين واحد صحيح فجميع الاديان الاخري باطلة.
بينما ظل الجانب الاجتماعي متجانسا مثله مثل الحاضر الحالي حيث يستحيل التفرقة بين المسلم والمسيحي، وختلط كل شئ لمن لهم عيون ايقونات واقنعة الفيوم وبحدقات زرقاء وخضراء وملامح بشرة ناعمة بيضاء مع اللون الاسمر والشعر الجعد. اختلطت العناصر والاجناس بحرية تناسلية وتزاوجية في نفس فترة اختلاط الافكار والاديان والفلسفات.

كانت الاسكندرية في منتصف الالفية الاولي بعد الميلاد بيئة صالحة ليخرج منها ما كان يمكنه تحاشي الدخول في عصور الظلام وكذلك ما كان يمكنه استكمال مسيرة العلوم النظرية تاسيسا علي مبادئ الهندسة لاقليدس والرياضيات لفيثاغورس والطبيعيات لارشميدس وجيش كبير من علماء مدرسة الاسكندرية في ذروة مجدها. وانتهي المشهد مرة اخري بماساة تحطيم المدرسة وقتل وسحل علماؤها باعتبار ان المصريون لم يكونوا قد اكتفوا بذل العبادة والتمسح بالالهه فاتي العزل والفصل والاحتكار فيما بين العقل والدين والعلم وبين المطالب والاحتياجات وبين الرغبات والاشباعات. عاد المجتمع للانغلاق وبالتالي امكانية نمو العفن والفساد. علي هذه الارضية تقدم عمرو ابن العاص فخورا مزهوا فالبيئة صالحة لقبول الاسلام مثلما يزهو الاسلاميين الان بنشر الاسلام في اكثر المناطق خرابا وجهلا كافغانستان والصومال.

يقول كثيرين لتبرير الانكفاء علي فسادهم واجتراره مرات ومرات ان المصري كان يقاوم بالدين الاستعمار الخارجي ويستشهدون بواقعة نابليون وافعال مشايخ الازهر مثلما حكي الجبرتي او ما جاء عند المؤرخين عن تلك الفترة الاقدم.
وكمفتاح للفضائح التاريخية التي سجلها التاريخ كصحيفة للسجل الجنائي فهناك شاهدي عدل علي ما يحاول المصريين طمسه خوفا من الم الذكريات البغيضة في تاريخهم. الاولي عندما نقرأ تاريخ جزيرة فاروس التي قام الاسكندر بالردم ليصل بينها وبين الشاطئ الافريقي. فقلعة قايتباي الحالية تقع الان علي انقاض منارة الاسكندرية. للقلعة فلسفة وفكر مثلما للمنارة من فكر وفلسفة وشتان بينهما. فما هي مرجعية قيتباي وما هي مرجعية المنارة. وعلي نفس منوال المصير المؤلم للمنارات فوادي النطرون كمنفي اصبح ملاذا وقرة عين لسلالة الرهبان عزلا وتكفيرا للذين قتلوا هيباتيا وحطموا مدرسة الاسكندرية باعتبار علماء الرياضيات ملحدين في زمن سياده فكر المنارات!!!

فما اكثر الاقدام علي ارتكاب الاخطاء والجرائم واصحابها علي قناعة بانهم مؤمنون. فاخطاء التاريخ الديني والعسكري يعطي الحق في الاستعلاء بوضع القدم علي رقاب المهزوم او البناء فوقه أو ردمه طالما اصبح مكان العبادة هو المنوط به تبرير الايمان وان المجد العسكري اجدي من الارتقاء العقلي. اليس هذا ما تقوم به اسرائيل من حفريات تحت المسجد الاقصي. وقفت مرة امام مسجد المرسي ابو العباس وتسائلت هل يرقد الاسكندر تحته؟
تحول المصريين الي مسيحين والي مسلمين دون ان يدركوا ان الثمن كان علي حساب العقل في الحالتين ولنا في المعمار وشواهد الحضارات برهان علي كل مرة.

في عصرنا الحديث تكرر المشهد مرة اخري من جانبه الديني والعسكري وبشكل به من الابتذال والسفة والخفة ما يفوق جرائم الزمن القديم. فعندما قام عسكر يوليو باخذ الوطن عنوه بتسلمه من الانجليز بمباركة الامريكيين حسب وعود وودورد ويلسون بتقرير المصير استحضروا العروبة ثم الوهابية كدين جديد باعتبار ان اسلامهم السابق لم يعد مجديا، او ربما اعتبروا الوهابية إصلاحا للاسلام بعد فساده زمن الليبرالية مثلما كانت المسيحية اصلاحا لليهودية. متناسيين ان كل اصلاح لاي دين يخرجنا من النور الي الظلام او الي الحروب الدينية مثلما ادت ديانة البروتستانت دورها. فدورة القمع والاستبداد في هذين الشكلين من الحكم هما ابشع مما بقي طوال التاريخ وانه لا خلاص لهم ايضا الا بعدم بتكرار نفس السناريو الممل والمقيت طوال التاريخ.

هذا العام بدت في الافق فرصتين من الفرص القليلة من اجل تغيير الحال المصري. اولها مع البرادعي في حركة شاملة من اجل التغيير في السياسة والاجتماع والاقتصاد. والثانية في صلب من يقولون بانهم مصريون حتي النخاع في حكم محكمة تعطي حق ممارسة الجنس لرجل تقبع مؤسسة الكهانة المسيحية علي نصفه الاسفل لمنعه من حقه الطبيعي بعد ان استولت علي نصفه الاعلي بالايمان. فهل يتذكر مشايخ الكنيسة مهازل التاريخ فبل النطق بالحكم في قضية الزواج الثاني؟ أم ان علي الزوج الاستشهاد بآدم بانه كان عليه السلام اول زان في التاريخ.

وجد رجل مصري نفسه محروما من نعمة ربه ومكبوتا جنسيا بنعمة الكنيسة بعد ان طلقته زوجته في محكمة مدنية من خارج مؤسسة النكاح او الانفصال الكنسي. ولم تسال الكنيسة نفسها هل حرمان مواطن من حقه الطبيعي عدوان عليه ام ارضاء للمسيح؟ ولنتذكر ما قدمناه سابقا من ان السلطة - اي سلطة - لا يهمها سعادة المواطن بقدر ما يهمها شقاؤه. وكأن اختراع الدين وتبنيه من قبل السلطة تاكيدا للقول الشهير الحاجة ام الاختراع. وهل هناك من شقاء كالذي اكده فرويد في نظريته للتحليل النفسي من ان اللذه هو ما يجب كبتها من اجل طاعة السلطة علي الارض او في السماء. فتحقيق مبدا اللذة هو ضمان الديموقراطية الاول وهو ايضا اول اكتشاف تحقق في العالم القديم والحديث. لكن ما العمل ونحن نعيش بين ابنية ومؤسسات علي شاكلة قلعة قايتباي او المرسي ابو العباس او الكنيسة أو الازهر. كلها مقرات للسلطة الروحية تستمد اوامرها من مصدرين رئيسيين احدهما من السماء والثاني من احدي قلاع الدولة السيادية.

كان اول قمع في تاريخ البشرية يجري باخصاء وقطع الاعضاء الجنسية للخصوم. وهو مماثل للطرد من العمل في العالم الحديث. فالعمل مثل الجنس يحرران الفرد، وعلي المعترض العودة الي العلماء الاتقياء امثال ماركس وفرويد. فهل عرفت المشاعية البدائية الانتاج الا بانتاج البشر كاول ما عرفوه عن طريق اللذة؟ وللحرمان من حقه في العمل والانتاج حرموه من عضوه بالبتر. اما العقاب الكنسي بعد تحضر دام لاكثر من 7 الاف عام فاصبح بالحرمان من ممارسة العضو وظيفته وتركه يعذب صاحبه. انه عقاب اشد من البتر القديم، فيالها من كنيسة متحضرة!!! وأكثر تحضرا من بربريات العصر القديم.

حقوق الانسان وعلمانية المجتمعات المعاصرة تمنع عمليات التشوية كعقاب بينما تصر الكنيسة علي البتر النظري للبيدو الرجل المسيحي بحجة انه زني ومطلق اي خرج من رحمتها بجريمة اصبح سهلا الغاؤها بتغيير الدين حيث يوجد زبائن ودكاكين دينية من نوع آخر يقولون أهلا بالزناه وان كل شئ ممكن الا الشرك به. وجود الاسلام حقق حلولا ليس لانه مؤسسة ديموقراطية وحريات اعلي إنما لان القدر أو الزمن لم يمهل الوحي الاسلامي الوقت الكافي للخصم من انفلات الجاهلية العربية بانفلاتها الجنسي وحق الممارسة باعلي صورها (إقرأ كتاب عالم المعرفة العدد 80 بعنوان: الزواج عند العرب في الجاهلية والاسلام). فجميع مؤسسات الدين (اي دين) مهتمة اساسا بالقمع الجسدي. لهذا بدأ الخصم من انفلات الجاهلية العربية الجنسي حتي اربعة فقط، ولولا الشاه المسمومة في قصص السيرة لراينا شيئا ربما اقرب الي التبتل العذري.

وتتعقد القضية وتزداد استشكالا في مسالة الزواج الثاني عند الاقباط إذا ما غير المظلوم كنسيا دينه من اجل الحصول علي حقه الطبيعي بعد الطلاق. فالحكم بحق الزواج الثانى للمسيحي المصري المطلق، ليس سوي فخ بتحويل الحق الطبيعي للبشر الي قضية خلاف قانوني بين حق المواطن في الزواج او حقه في الزنا بعلم الكنيسة وبرعايتها، لان الرجل مازال مسيحيا اي ضمن رعايا الشعب الذي يراسه البابا دينيا. فتعدد الفتاوي في الاسلام ما يرتاح اليه ويجد فيه المطلق مخرجا أما فى المسيحية فيظل الأمر فى يد الكهنة، ولا يجوز مناقشة النكاح الا معهم.

فالارتباك المزمن في حياه المصريين بسبب بقاء الاديان بعد انتهاء صلاحياتها لم يوحد الأقباط خلف قيادتهم الدينية ليس فقط في قضايا الزواج والطلاق بل ايضا في السياسة. فحكم المحكمة هو خطوة باتجاه تاسيس دولة مدنية لازال تاسيسها ناقصا لكثير من التشريعات التي تعوق من يعتبرون انفسهم مصريون حتي النخاع كبناء دور العبادة دون قيود وتولي الوظائف الكبري والمناصب العليا في الدولة فليس من المعقول ان يظل مصري يدعي بمصريته الخالصة معزولا عن حقه في حكم الوطن كصاحب له لا يملك التاريخ ان يجد من يحمل صك ملكية لوطن بقدر ما لدي اقباط مصر!
حكم المحكمة هو توسع في الحقوق بعد ان تم تحميل المصري بواجبات لا لزوم لها طوال التاريخ لكن الخوف كل الخوف من مواطنين يريدون الجمع بين الدين والمصلحة. فعادل امام طالب الامن ووزارة الداخلية بالفصل بينهما والا يعطل رجال الامن مصلحته السفلية في مقابل امن السفارة التي بالعمارة. فاطاعته الوزارة ولبت رغباته. فلاول مرة وبفضل معاهدة الصلح واقامة علاقات مع دولة اسرائيل تم فصم علاقة الجنس بالسياسة وبمعرفة الدولة وتحت رعاية جهازها الرقابي الامني الذي اصبح يمرر الجنس من اجل حماية بني اسرائيل – علي الشاشة البيضاء. فهل شاهد البابا شنوده الفيلم ليدرك ان هناك اولويات يتم فيها التضحية باشياء خاصة جدا لا تخصه ولا علاقة لاحد بها مقابل اشياء تهم الجميع في السياسة والامن. واعتقد انه عندما تتازم الامور اكثر سيتم التضحية بالدين من اجل السياسة ايضا. والا فليجيب البابا شنوده لماذا تغيرت الاديان وبقيت السياسة وكرسي السلطة وليس اي كرسي آخر. لكن البابا يريد ان يكون ملكيا اكثر من الملك فلا سياسة ولا جنس.


فصاحب الدعوى بالنكاح مرة اخري لجأ للدولة العرجاء بين المدنية والدين. فهناك طرق كثيرة يمكن للرجل بها تحقيق مبدا اللذة الذي تصر مؤسساسات الكهانة التاريخية في مصر بتسميته زواج والغزاه الجدد باسم نكاح. تبدا تلك الطرق بتغيير الملة الكنسية داخل مؤسسة الكهنوت المسيحي عامة، وهذا ما استقرت عليه الالعيب التي قبلتها الكنيسة. ويمكنه ايضا ان يتزوج خارج الوطن علي ارض الكفار في اوروبا وامريكا او الصين ويجبر الكنيسة علي قبول العقد. بل يمكنه ان يقول بالشهادتين فيتزوج علي حساب الخصم من تعداد شعب المؤسسة الكهنوتية الاقدم مصريا. فالتحايلات كثيرة ومتعدده لكن الطريق المختصر والاقصر حسب اولي مبادئ اقليدس الهندسية بان الخط المستقيم هو اقصر مسافة بين الرجل والمرأة يكمن في ان يتضامن مع اقرانه المسيحيين والمسلمين والعلمانيين لاستخراج قانون يحق للجميع فيه الزواج المدنى بدون سنه الله ورسوله او بدون سر مقدس. فهل هذا ممكن ام مستحيل؟
لو ان المصريين لم يهدموا مدرسة الاسكندرية ويقتلوا هيباتيا ويتنكروا لاقليدس لما خصوا انفسهم بالوصول الي المرأة عبر اصعب الطرق واطولها بالذهاب الي السماء لاستخارج تصريح زواج من هناك. فما اسهل الإجراءات الممكن اللجوء إليها علي الارض دون طلب بمباركة الكنيسة فى دولة تدعى تدين المصريين اي بربطهم في ساقية اسمها الايمان والغمامة علي اعينهم فلا يعرفون كم مر عليهم من التاريخ او كم قطعوا من اميال وهو وقوف في مكانهم بدون حراك او حق لا في الزواج او في السياسة.


المشترك بين لينين وستالين والاسلام


قطعت الماركسية وتطبيقاتها الامبريالية الطريق علي النمو الطبيعي لمجتمعات كثيرة ومن بينها بعضا من مجتمعات الشرق الاوسط. فالمانيا والاتحاد الاوروبي لازالا يعانيان من التخلف السياسي والاقتصادي للهياكلهما الاجتماعية في المانيا الشرقية وباقي الدول التي وقعت كغنيمة حرب بعد الحرب العالمية الثانية. فرغم ان معظم اوطان الشرق الاوسط لم تكن وغالبا لن تكون، جاهزة للدخول الي مجتمعات القانون والمساواه والانتاج والسوق بشكل تنافسي حر الا ان بعضها كمصر او العراق كانتا ضمن المرشحتين للدخول في هذا الطريق المتطور بتراتبية تتفق ونمو قوي العمل والانتاج مع إمكانية تملكها للعلوم الحديثة.

فالمجتمعات التي يتحكم بها الاسلام وعروبته او يروج حكامها للاسلام هي مجتمعات لا تخدم الراسمالية بمعناها العلمي والتاريخي والقانوني والحقوقي انما تخدم سوق الاستهلاك دون مساهمة في الانتاج وتخدم عالم الفساد والمافيا وتجارة السلاح والافيون وكل ما له علاقة بالتزاوج الابدي بين العنف والمقدس مع الجهل والاستبداد. يردد الجميع من الادبيات الماركسية القول الشهير: الدين افيون الشعوب، الا ان ما ساد في الكتلة الاشتراكية بقيادة زعماء الثورات والانقلابات كان به بشاعة وفسادا لا يقل عن مجتمعات الاديان، حيث تحولت قرارات اللجان المركزية للبروليتاريا الي اقوال مقدسة وايات بينات يفتتح بها المؤتمرات. ولو سبقوا تقدمتها بالاستعاذة من الشياطين ثم بالبسملة لعجزنا عن التفرقة بينهم وبين اي مجتمع شرق اوسطي مسلم متخلف يرفل في جهالة القبلية والدين.

جاء تقديس الافراد من أمثال لينين وستالين بكل العنف الذي مورس في زمانيهما باعتبارهما سلفا صالحا يطلب من الشعب الوقوف طوابير طويلة لالقاء نظرة علي جثثهم الطاهرة بعد تحنيطهم وعرضهم في صناديق معقمة لعل الـ "با" والـ "كا" الفرعونيتين يعودا يوما اليهما للبعث عند قيام الساعة. كان هذا مقبولا من المصريين القدماء بعد الخروج من اقدم العصور الحجرية. لكن كيف تنتقل هذه الافكار الي القوي الثورية التي هي خلاصة، بل ونهاية للتاريخ بسياده البروليتاريا كجنة موعوده وانتهاءا الي مشاعية يضخ فيها الفرد عملا ثم ياخذ حاجتة دون استغلال، فذلك سؤال لم يجب احد عليه الا بان من وضعوا افكار ماركس عن المجتمع الراسمالي موضع التنفيذ لم يكونوا باكثر من حالمين او مخدرين بافكار تدعي العلمية وبكونها فوق الطبيعة الانسانية.

الماركسية هي انجاز راسمالي – أي انجاز مادي - خرجت من رحم الراسمالية ولم تخرج من مجتمعات متخلفة بعيده عن التطور الطبيعي لهياكل الانتاج وقواها. فصحيح تماما ان البشر دائما كانوا مولعين بفطرة العدل، لكن لجهلهم المعرفي بشروطه فان المساواه المفقودة والتي هي اهم من العدل بل هي الاساس لقيام العدل ظلت بعيده عن البشر. وإذا تاملنا المجتمعات الدينية وعلي راسها الاسلام فاننا نجد التخبط الشديد بين هذين المفهومين قائما فيما بين النصوص والتطبيقات. ولن نتطرق الي مسالة التمييز والعلو او الاستعلاء فيما بين المؤمن والكافر فتلك آفة المجتمعات الدينية الا انه لم يبقي لهذه المجتمعات الا هذا الهراء لان العمل لم يكن مطروحا انما اشياء اخري مرزولة تعرضنا لها في المقال الاسبق اما في المجتمع الاشتراكي الذي قفز بثورة شعبية فان قادته الذين ركبوا موجه الديالكتيك تبريرا لوصولهم الي السلطة اصبحوا اكبر اعداء الديالكتيك بزرعم دكتاتورية البروليتاريا. فلم يعد هناك اختبار للعدل او امتحان لمساواه. الصورة المسطحة هذه والتي تنضح بتناقضات منطقية نجدها الان مكررة في خطاب السلفية الوهابية حيث يبدأون الحديث عن الحق والعدل وينتهون بانهم هم الوحيدون اصحاب الحق والعدل. فهل هناك سرقة ونهب لعرق وجهد التاريخ باكثر من هذا؟

لكن السؤال الكثر احراجا للفكر الشمولي عامة بغض النظر عن مصادرة السماوية او من قاع المجتمعات، ما علاقة العقلانية بالايديولوجيا؟ فالراسمالية التي تشكلت علي اساس العمل مع الفرن الثامن عشر كانت تنظيرا عقلانيا وتطبيقا مباشرا لما اكتشفته العلوم الطبيعية مؤسسة علي المنهج العقلي عند مفكري تلك الفترة. فإذا كانت عناصر الطبيعة لها تشكيل مادي يؤدي الي بناء متماسك حسب تصورات ديكارت ونيوتن وبوانكارييه مع استخدام للمنهج التجريبي عند هيوم فان كل العناصر الفاعلة في عملية الانتاج يمكنها ايضا الدخول في منظومة متماسكة تسمح بضخ ناتج يفوق الشكل الاسبق حيث كان الارتباط فقط بالارض والمطر او الانهار ووسائل الانبات البدائية فيما يسمي النظام الاقطاعي. فإذا كان المنهج الماركسي الديالكتيكي يؤدي الي تطور اعلي فإن اول قواعد الجدل التي تناسها المراكسة والمتمركسون تكمن في جدل الضرورة والحرية. الضرورة هي ما تفرضه الطبيعة والحرية هي ما ينشده البشر.
كتاب صادر من دار Vintage Book عنوانه "الضرورة والحرية" يرصد فيه مؤلفة الجدل منذ تاريخ الخلية الاولي مرورا بكيفية تشكيل الزعنفة واختلافها فيما بين الدلفين وسمكة الرنجة حيث تشكل الطبيعة عاملا ضمن العوامل الفاعلة في ديالكتيك البيولوجيا ثم ينتقل بتدرج الي الموضع الرئيسي وهو مجتمع الصناعة والتمدد الراسمالي وينهي اطروحته متسائلا ومستنكرا صدق الانبياء الجدد ثم يختم بباب "العلم والاخلاق".

بالقطع لم تكن الضرورة التي ساقها الفكر الديالكتيكي هي ذاتها الضرورة التي الصقت بستالين او عبد الناصر او صدام حسين. فالضرورة في الاولي مكون اساسي من شروط الديالكتيك، اما الضرورة الثانية فهو ما اخترعه التحريفيون والمضللين وشرازمة وحثالة المجتمعات لخلق نبي هنا وزعيم هناك. كان الموروث من الاستبداد والدكتاتورية هما المحركين لخلق تلك الضرورة المضحكة. لم يسال المتاسلمون انفسهم ما الذي الجأ الله لان يرسل انبياء وما الضرورة التي اجبرته علي ذلك. وهي ذاتها الضرورة المفتعلة التي استخدمها القوميون والتحريفيون من المراكسة لخلق ضرورة تجعلهم علي كرسي العرش في المجتمعات الدكتاتورية بغض النظر لصالح من يحكمون والتي علي اساسها اصبح ستالين نبيا ولينين من الذين تم اصطفائهم.

كان الفكر الاشتراكي طوال القرن الماضي يرهن نفسه الي نظرية الديالكتيك لكن عندما يبدأ التموضع في الواقع فاننا نجد التنكر لكل شئ وللاسف فإن ما اسسه نبي الاسلام كان اكثر ثباتا وقدرة علي الاستمرار!!!! فكلاهما كانا يرصدان حقيقة ما يحدث لكن الاسلام كان اكثر صدقا مع نفسه حيث جعل النظرية كلها من فوق الطبيعة وخارجها، والتجربة والمعمل هو البشر والناس. اما عند منظري دكتاتورية البروليتاريا فقد لعبوا علي الحبال بجعل النظرية ذات نصفين احدهما فوق الطبيعة اي من خارج البيئة المشكلة للديالكتيك لانها تبغي انهاء الديالكتيك بدكتاتورية واحده لا شريك لها. والثانية من صلب الواقع باستبعاد كل العناصر وحصرها في دكتاتورية البروليتاريا كمعطي اولي اخرت الشياطين (حق الملكية) وصوله الي سدرة المنتهي. بهذا اصبح الفكر الاشتراكي نقيض العلم؟

فتكريس اللينية والستالينية باعتبارهما سنة وقرآنا كدين مقدس يسد الطريق أمام أي فرص للتقدم تماما مثلما فعل الاسلام باصحابه فاصبح كل من يتبناه ضحيته. فتعطيل الديالكتيك هو جهل بالماركسية التي هي منجز فكري وعقلي من منجزات الراسمالية. هكذا عاد بنا المراكسة الي نقطة الصفر في البناء العقلي المنطقي الفلسفي عندما تم تعريف الاشياء حيث لا يكون الشيء هو ذاته في اللحظة التالية. فالزمان والمكان عناصر ديالكتيكية من عناصر الطبيعة. لا يجوز القفز عليها بتثبيت لحظة والتمركز في مكان نفخر باننا احتجزناه لاقامة جنة ستالين الاشتراكية يتوقف فيها الجدل كما يتوقف التاريخ. انها جنة نظرية كلها تقديس بعكس ما يقول المتمركسين بعدم القداسة وانهم ضد الدين. بهذا اصبح زعماء البروليتاريا وليس البروليتاريا يسبحون بديالكتيك لا وجود له مثلما يسبح الاسلاميون بما ليس موجودا ايضا. فهل من غرابة إذن ان ينتقل مراكسة كثيرين من امثال د. محمد عمارة وعادل حسين ومحجوب عمر الذي اسلم حتي يحصل علي رخصة شرعية في الاستبداد ومن بلاد العرب منير شفيق وغيرهم كثيرين قاسمهم المشترك هو الدكتاتورية ولا علاقة بينهم وبين الديالكتيك او الطبيعة. لو فحصنا توجههم لوجناه عروبيا قوميا كلهم يقولون بالامة ويزعمون ان هناك امة واحده مثلما يقول الاسلام وعبد الناصر وصدام. ذهب عبد الناصر وصدام وبقي الاسلام وبقيت اللينينية الستالينية في صورتها الدكتاتورية لسبب واحد انهما افكارا اقرب الي الميتافيزيقيا منها الي الواقع.

إما الليبرالية وإما مالاخوليا العروبة


قاعدة ذهبية لا تخطئ ابدا، ملخصها ان لو صدق احد اساطيره علي انها حقائق فسيري حقائق الاخرين علي انها اكاذيب.
علي هذا الاساس تحرك العرب لنشر الاسلام قديما ولازالوا يروجون بضاعتهم في زمن باتت معظم اكاذيب العالم حقائق إضافة لحقائق لم يكن لاصحاب الاساطير اكتشافها. اما القوي التقدمية التي تسمت بهذا الاسم بتبني الماركسية او القومية العربية فلم تقم بواجبها التاريخي لايمانها باساطيرها بل وكانت تنتظر بانتهازية وقوع التفاحة بين يديها دون جهد او عرق حتي يراكم المجتمع ما يجعله ينهار علي نفسه. فحرق المراحل ليس امرا سهلا لكن القفز فوق التاريخ ممكن بارتداء لاغرب الازياء للوثب العالي في زمن العجائب وكانهم في حفلة تنكرية.

دعي مروجي حركة القومية العربية لمؤتمر لمناقشة مستقبل العروبة باعتبارها حركة تحرر، رغم ان التحرر يتجاوز التسطيح العربي الي تحررالمعرفة وتحرّر الثقافة والتحرر الاجتماعي / الاقتصادي والتحرر من السلطة ذاتها التي تفرض وصاية عربية جاهلة علي كل من يتحدث العربية. تكتم العروبين عن معني الحرية الواسع وسار المتمركسين علي دربهم حتي ولو لم توجد بروليتاريا انما كتلة بشرية يلتحفون بها ولا تدرك بعضا من شروط الانتاج في العصر الحديث.
اسئلة كثيرة مؤجلة او بالاحري قمعتها كل العقول المجتمعة عندما حان وقت المكاشفة؟

فإذا كان عنوان المؤتمر "العروبة والمستقبل" فمن باب اولي السؤال وماذا عن الماضي القريب او البعيد وما الذي حققته تلك الحيزبون الشمطاء المسماه عروبة لحوالي الفية ونصف من الزمان. أما لماذا تدعو دمشق لهذا المؤتمر ولم تتبناه العربية السعودية او احدي المحميات البريطانية المسماه دول الخليج، بكونهم عرب او قل هم العرب الوحيدون في هذا العالم فذلك ما لن يجيب عليه احد من سكان المنطقة أبدا.
فعرب الخليج لا يريدونها فقد اصبحت عبئا عليهم بوجود شعوب اخري تدعي العروبة منذ ظهور الاسلام. قلنا مرارا انهم كانوا ينشرون عقيده كلها من علم الغيب لا برهان عليها. وظنوا او هكذا خيل لهم من اساطيرهم الدينية أن حقائق وما لدي الاخرين أكاذيب يمكن التعامل معها ببربرية حسب ما قالة انجلز وكما سياتي ذكره.

فلو بحثنا عن طبيعة البناء الفوقي للمجتمع العربي بحكامه ونظمه لاكتشفنا ان فلسفته بنصوصه وكلماته وصياغاته اللغوية كلها مستمدة من الاساطير التي روجها العرب. فهو خطاب يعكس علاقات نمط في معظمها تجاري ريعي وينحسر دور المنتجين إما في نظام الحرف بتوسعها الي ما يقرب لمستوي المصانع الصغيرة الحجم أو الورش الكبيرة. اما مؤسسات الانتاج الضخمة التي نشات في ظل الاستعمار واستمرت بحكم الضرورة زمن المد القومي فقد فقدت كثيرا من زخمها الانتاجي الغير قادر علي المنافسة وتورمت معظم اجزائها جراء انتشار البيروقراطية وبات الفساد هو سر بقائها بسبب التاميم او الاصلاح.
في هذه البيئة يصعب الحديث عن بناء تحتي بالمعني العلمي او الماركسي وبالتالي يغيب بناء فوقي يعبر به اصحابه عن وجود طبقة اجتماعية ترعي انتاج وتدر عوائد وتتصارع مع مثيلتها او تتعاون من اشباهها في مناطق الصناعات الكبري في العالم. فكما اصبح البناء التحتي غائبا ومخدرا بغيبيات دينية، بات الفوقي سمسارا ومروجا للنخاسة الي شتي انحاء العالم. حتي سمير امين جعل اصل فساد المنطقة منوط بالامبريالية العالمية في نمطها التوسعي العولمي الاخير، متناسيا تاريخ وخصوصية المنطقة ومتغافلا عن ثقافتها العربية التخريبية لمجرد أن ادبيات الماركسية قالت بان الامبريالية اعلي مراحل الرأسمالية.

لم يتعرض ماركس لحالة العرب بقدر تعرضه للمسالة اليهودية ودخل كارل فوتفوجل ليملأ الفراغ بشرح وتفسير حالة المجتمعات النهرية بنظريته عن الاستبداد الشرقي. فالدولة وكما شرحها انجلز في مؤلفه عن الملكية والدولة لم تقم قديما الا في المجتمعات النهرية بينما ظلت بعضا او معظم اساطير العرب بقيمها القبلية تتحكم اخلاقيا في عوائدها وبصورة لا علاقة بينها وبين الانتاج لسبب وحيد هو تورط اهل تلك المجتمعات في الايمان بما قدمه اليهود من اساطير ونقلها العرب باعتبارها حقلئق. وهي ذاتها المشكلة التي تجاوزتها اوروبا وخلعت عنها اخطاءها. فإذا كانت الملكية وحيازة ادوات الانتاج وحق استخدام قوي الانتاج والثروة لاعادة الانتاج بمستويات ارقي هي ما رسخ قيام الدولة علي اسس قانونية وحقوقية يعرف كل طرف دوره في نمطها الانتاجي فان حال المنطقة يمثل شذوذا لا مثيل له بل وخروجا علي نواميس العمل وقوانينه منذ سادت اللغة العربية واصبح الاسلام متغلغلا. فهناك عرب يحتقرون العمل في مجتمعات لها بناء فوقي ليس صادرا عن طبيعة تقسيم العمل إنما من القبيلة او المشيخة. فتقسيم العمل بعد ظهور العرب وكذلك بعد غزوهم لكل بلاد الشرق لم يفرز بناءا فوقيا ليحل محل اعراف البداوة القبلية بسبب القداسة التي خدع بها العرب الشعوب ويحاولون بها خداع مجتمعات بعد الحداثة الان.

وعندما نشات الطبقات بالمعني الماركسي حديثا في دول الشرق بفضل الاستعمار الحديث واستيراد صناعات كالغزل والنسيج او صناعة السكر وبناء الاساطيل والموانئ وغيرها ظهرت بالضرورة تشكيلات سياسية كالنقابات واتحادات العمال والجمعيات مما ادي لخلق وعي سياسي وطبقي وحقوقي لقوي العمل بكل اطيافها ودرجاتها وانواعها خاصة مع ورود افكارا نظرية مثل الوضعية او الاشتراكية الفابية او مع حركة الـ "سان سيمون" زمن محمد علي في مصر.

كان الوعي الاجتماعي الطبقي وبالتالي الحس الوطني يتولد بناء علي ما وفد من خارج العروبة او الاسلام. بينما ظلا الاخيرين ينخران في هذا الوعي ويخربان البناء التحتي ويؤجلان نضج بناء فوقي سليم أو عقل تحتي واع. حتي جاءت حركة القومية العربية فاجهزت علي هذه الاجنة في ارحامها مثلما فعل عبد الناصر بحل الاحزاب وتفكيك كل الاشكال السياسية في مصر. كان عبد الناصر حركيا وليس منظرا فثقافته محدودة وفكره ضحل ولا يعرف من التاريخ والجغرافيا بابعد من الفالوجا التي حوصر فيها في حرب فلسطين عام 48. اما المتمرسين في العنصرية فكانوا في بلاد حزب البعث. كان اسم الحزب معبرا عن مدي تغلغل السطوة الدينية علي اصحابه لكنهم وعلي عادة العرب تماهوا في علمانية مصطنعة لا حقوق فيها لاي فرد ايا كان موقعه مثلما تماهي العرب قديما في تقوي كاذبة وسلف صالح بينما وهم يسرقون وينهبون. هكذا ظهر عفلق والحصري والارسوزي وغيرهم يربطون العروبة بالاسلام ولا يريدون لاحد الفكاك من اسر التخلف.

ركز ماركس في تحليلاته المادية علي سلب فائض ما تدره قوة العمل من سعر السوق في جميع انماط الانتاج بعد المشاعية الاولي. أما سلب الثروة دون المشاركة فيها باي قدر لمجرد ان هناك مؤمن بلطجي يرضي الله عنه وكفار ضالين لن يدخلوا رحمه من يعبده السلف الصالح فهذا ما عمي عنه المراكسة والمتركسين ممن ايدوا الفاشية العربية الناصرية والبعثية. سقطت العروبة قبل سقوط الاتحاد السوفيتي ورغم ذلك ظلوا يحلمون بنصر من الله وفتح قريب ويحتمون بالاسلاميين الذين يحتقرون العقل والجسد والحرية والاعتداد بالذات.
وعاشت المنطقة لقرون طويلة لم ترتقي فيها السلطة المتاسلمة منذ ظهور الاسلام وحتي نشاة الليبرالية الحديثة الي مستوي الطبقة البرجوازية لتماثل بعضا من المجتمعات الاقطاعية او الراسمالية بينما كان العداء يملأ مشاعر الناس لقوي تنهب وتعبد ما ليس موجودا وتطلب التقوي والطاعة والتسبيح وقيام الليل لمن يدر العوائد نهارا. كانت تلك هو سمة خطاب كل الطبقات منذ ان خرج العرب لنشر الاسلام. فهل هذه غيبوبة ام ملاخوليا عقلية وايديلوجية ايمانية؟ فما الذي يجمع عثمان ابن عفان مع بلال الحبشي ايها المراكسة المتشدقين بصراع للطبقات في البيئة العربية الاسلامية؟ ما هي مهنة السلف الصالح والطالح بعد الهجرة وطلوع البدر علي اهل يثرب ايها القوميون العرب والمتركسين العرب والاسلاميين العرب؟ وستاتي الاجابات من كل حسب ايديلوجيته ولكل حسب نواياه، فهم جميعا مع الانعزال عن العالم المتحضر حتي ولو سمح بتشكيل تنظيماته الديموقراطية الليبرالية لانهم جميعا ضد الحرية الا بحسب ما تقوله اللجنة المركزية للحزب أو زعيم الامة او امير الجماعة.

ما فعلته حركة القومية العربية هو علي نفس الشاكلة بتجميع الطبقات الاجتماعية المتنافرة بتذويبها داخل الوحده العربية او اتحاد قوي الشعب العامل بمنح الرث منهم مكانة اجتماعية مميزة مثلما منحهم الاسلام مكانة ايمانية ربانية. هكذا تغلب العبد علي وضعه الاجتماعي بضربة واحده حيث تحول الي برجوازي ايماني أو نهاب حسب تفسير انجلز، ويعاونه الصفوة (اهل الحديث) بتقديم التبريرات لتحولاته الوظيفية.
من كتاب اصل العائلة والملكية الخاصة والدولة باب "البربرية والحضارة" ما يعتبر شرحا للتوصيف السابق حيث يقول انجلز بعد ان اطلع علي ابحاث عمدة الانثروبولوجيين هنري مورجان:
"في هيئات المجتمع العشائري الذي تطور و صار ديموقراطية عسكرية. عسكرية لأن الحرب والتنظيم لأجل الحرب أصبحا الآن وظيفتين دائمتين منتظمتين في حياة الشعب. وثروات الجيران تثير الجشع و الطمع عند الشعوب التي يبدو أن الحصول على الثروات غدا واحداً من أهم أهدافها في الحياة. إنها بربرية: فالنهب يبدو لها أسهل و حتى أشرف من العمل البنّاء. و الحرب التي كانوا لا يخوضون غمارها من قبل إلا لأجل الثار من الاعتداءات، أو لأجل توسيع رقعة الأراضي التي لم تعد تكفي، إنما يخوضون غمارها الآن مع أجل النهب و حسب، و تصبح حرفة دائمة. وليس عبثاً ترتفع الأسوار الرهيبة حول المدن المحصنة الجديدة، ففي خنادقها يفتح مدفن النظام العشائري شدقيه، و أبراجها تتطاول نحو الحضارة. و الأمر نفسه يحدث في داخل المجتمع. فإن حروب النهب تعزز سلطة القائد العسكري الأعلى وكذلك سلطة القادة العسكريين الخاضعين له. وانتخاب أسلافهم بحكم العادة من العائلات ذاتها يغدو شيئاً فشيئاً، و لا سيما منذ توطد الحق الأبوي، سلطة وراثية و توضع أسس السلطة الملكية الوراثية و أسس الأريستقراطية الوراثية. و هكذا تنفصل هيئات النظام العشائري تدريجياً عن جذورها في الشعب، في العشيرة، في الفراترية، في القبيلة، و يتحول النظام العشاري كله إلى نقيضه: فمن تنظيم للقبائل لأجل تصريف شؤونها بحرية يتحول إلى تنظيم لأجل نهب الجيران و اضطهادهم، و تبعاً لذلك تتحول هيئاته من أدوات لإدارة الشعب إلى هيئات مستقلة للسيطرة و الاستبداد موجهة ضد شعبها بالذات. و لكنه لم يكن من الممكن أن يحدث هذا يوماً لو لم يفرق الطمع الشديد بالثروة أعضاء العشيرة إلى أغنياء و فقراء".
رحم الله حسين مروة الذي قتله من لم يعجبه هذا التفسير ولم يفلت انجلز أو مورجان من نفس المصير الا لانهما بعيدين عن متناول العروبة والاسلام ومنظمات التحرير. وعلي نفس النهج في التفسير يعزف جيل كيبل في كتابه "جهاد" بما معناه - تحت الوحدة الظاهرية للخطاب الاسلامي يوجد تناقض في الاهداف بين من تم تجميعهم علي اساس وحدة العقيدة حيث اصبحت حركة الاسلام السياسي مرتعا لقوي وجماعات مصالح بعضها ينتمي الي اليمين والبعض لليسار سواء كان ذلك في الداخل او في الخارج وليس لتحرير احد او انعتاق طبقة او فئة انما لتاييد النظم المتدينة التي تراها كل من الرياض وواشنطن كافضل من يستطيع تحييد كل الفئات واشغالهم بالتطهر من نجاسة الليبرالية وجعلهم منشغلون باعادة ابتلاع فضلات ونفايات الحضارة والتاريخ.

فكر البرابرة هو شرط عدم التقدم لتشكيل مجتمعات ذات ملامح ثقافية وطبقية محدده لها القدرة علي التفاعل مع ذاتها داخليا ومع الخارج عالميا. فهل هذا مدعاه لتاييد الاسلام السياسي أيها السادة القوميون والمراكسة حفاظا علي الخصوصية الثقافية والحضارية، أم ان الكراهية للراسمالية والليبرالية والمجتمعات المدنية كافية باخصاء الذات والانضمام الي المتاسلمين. فقأ اوديب عينه جراء خطيئته. ولانه مكير فهو يعرف ان لديه عينا ثانية، لكن ما العمل والمراكسة لم يختاروا عينا ليفقؤها انما بعملية إخصاء بدفاعهم عن العروبة والدفاع عن البرابرة، وتبجحوا معتبرين حماس مقاومة وتحرر، وحزب الله نضالا ومقاومة كتكرار ممل لما قاله انجلز.

كان كتاب "اصل العائلة والملكية الخاصة والدولة" كافضل شرح وارقي تفسير لعروبة المنطقة التي تبرر تحالف بلال ابن رباح مع عثمان ابن عفان في اتحاد قوي الشعب الناهب. تحالف كومبرادور تجاري مع بروليتاريا عبودية من اجل مطامع ومكاسب فات حسين مروة ان يفهمها ومر عليها مرور الكرام ويتشدق القوميون والاسلاميون والمراكسة بان الاسلام حض علي عتق العبيد وتحريرهم، سابقا بهم الحضارات الحديثة. فالسؤال الموجه الي الثالوث القومي العروبي المتمركس المتاسلم، هل تحرر العبد بلال من اجل طور اعلي من انماط الانتاج ام الارتداد الي البربرية بشهادة انجلز وهو ذاته منهج الثالوث الغير مقدس لخدمة الغرب الذي تعالي النباح ضده لاكثر من نصف قرن؟


لو حاولنا رسم خريطة لعلاقات العمل والانتاج في مجتمعات المشيخات والممالك النفطية (العروبية الرجعية الاسلامية) وكذلك اوطان الجمهوريات (العروبية الثورية التقدمية) لما وجدنا فرقا. فجميع الطبقات التحتية مسلمة بولاية الامراء والملوك او بقيادة الزعماء والرؤساء. لا يمكن لاحد الاقتراب من السلطة فيهما. فالاولي مشغولة بحماية الاسلام ونشره والثانية مشغولة بالصمود في وجه الامبريالية والصهيونية. يتفق الاثنين علي حبس الجميع في قمقم ويصدر الحاكم الي المحكوم فيها خطاب الغيبيات ويعده بتحسن الاحوال باحسن ما يكون في جنات النعيم اما علي الارض فليصبروا لان الله مع الصابرين!!!
فاين هو البناء الفوقي أو التحتي يا اهل صراع الطبقات عند العرب وضحايا العرب؟

قمة البناء الفوقي في فلسفة الحكم في اي مجتمع تكمن في القواعد التشريعية التي هي القانون الذي يحكم به ملاك الثروة والسلطة وهياكل الانتاج الطبقات التحتية العاملة. فما راي السادة المتمركسين ان القانون في دول الامبريالية الراسمالية الطبقية يتساوي فيه كبيرهم مع صغيرهم اما في مجتمعات القومية العربية والاسلمة النفطية والاشتراكية العربية قبل سقوط السوفييت فلا قانون ولا عدل انما قمع واضطهاد واستبعاد وفصل وتشريد ثم قتل واغتيال. بينما الشريعة الاسلامية حيث فقه الغزو والسلب تحكم حتي العلاقات الجسدية مثلما نجده عند جماعة الامر بالمعروف وحادث حاليا في الكنيسة المصرية بالتحكم في رغبات البشر العاطفية. اليست الاديان من مشكاة واحده؟


في الفلسفة الماركسية فان الانتقال من طور انتاجي متدني الي طور اعلي هو مكسب مرحلي لطبقة العمل المنتجة للثروة. وأن استثمار طبقة لطبقة أخرى هو أساس الحضارة، فتاريخ البشرية هو تاريخ الظلم او استغلال قوة العمل عبر التدرج الطبقي، فلكل دورها، فهل العودة الي البربرية يعتبر تحررا؟
إنهار السوفييت لانهم قضوا علي طبقة هي من عماد الديالكتيك. كانت نهايتها قمين بتحلل وانهيار المجتمع كله لتوقف الديالكتيك عن العمل. لم يتجادل السوفييت مع احد لان هناك اسوارا حديدية بينما هم قادرين علي اشعال حرب مع الصين الشيوعية وانتهي امرهم عندما صدقوا اساطيرهم بان افغانستان تستحق جزءا من عدالتهم الاجتماعية فغزوها. نجحوا في الغزو مثلما نجح المسلمون الاوائل بينما فشلت الامبريالية قبلهم في عملية خليج الخنازير. فلمصلحة من ذهبت فوائض عمل البروليتاريا الروسية بل السوفيتية برمتها؟

ربما اكتشف السوفييت زمن جورباتشوف انهم في حاجة الي طبقة تحمي الثروة ولا تبددها في مغامرات اللجنة المركزية. فرغم الاستغلال الذي يسعي الجميع لحصره وانهاءه لصالح دكتاتورية تنهي بها نظرية الجدل فان خلق بيئة تعرف معني التراكم بغض النظر عن عدالة التوزيع كفيلة بانهاء الفكرة المرعبة التي تضع نهاية للتاريخ، لهذا انهي التاريخ من سعي لنهاية التاريخ. انهي عبد الناصر والبعث ومجالس السوفييت الصراع وطمسوا ملامح مجتمعاتهم، فطمسهم التاريخ.
القول بان ماركس قام باستعدال البناء الهيجلي ليقف علي قدميه، فإن ما فعلته الاجيال الماركسية بعد الثورات التقدمية الاشتراكية التحررية انهم كفنوا هيجل في ثوب ماركسي وقرؤا عليه الايه: ايتها النفس المطمئة ارجعي الي ربك راضية مرضية واتركينا في شقاء وبؤس البريريات المشاعية. الا يستدعي العالم الاسلامي رضا الله علي بلال وعثمان في وحده لقوي الشعب العامل وهو ما لم يقدر عليه السوفييت بثورتهم ولا القوميين بانقلاباتهم بينما ظلت القيمة الاعلي عند الاسلاميين هي السائده والقائلة: لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَّا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ. لهذا السبب يمكن فهم تحالف عثمان وبلال وتحالف الراسمالية الامريكية مع مشايخ النفط والرقص معهم بالسيوف حتي ولو دمر الطرف الاول برجي التجارة.

وماذا عن المراكسة العرب الذين شايعوا العروبييين بالغاء الطبقات في الناصرية والبعثية، لو قرا هؤلاء ماركس وانجلز بعيون مفتوحه وعقل غير مشوش لاكتشفوا ان زعماء القومية العربية التي بات اصحابها في دمشق يبحثون عن مستقبلها قد اخرجوا شعوب المنطقة من ان تنطبق عليهم نظرية ماركس بان كل تطور يجري في صراع جدلي وان اي استغلال هو في نفس الوقت خطوة إلى الأمام في ظهور وعي جديد يضاف الي رصيد طبقة ويخصم من طبقة اخري. فكل عمل وانتاج هو تحرر جديد لطبقة مضطهده علي حساب الطبقة الاخري التي سترتقي بدورها الي مستوي اعلي. انه جدل لا ينفي احدا بالطرح الحسابي انما بالفرز الارتقائي للجميع الي دورة جدلية اعلي واوفر. الم يتحول امراء الاقطاع الي اصحاب الصناعات في اوروبا. فكل ما فعلته طبقة الامراء اصحاب حق الليلة الاولي انهم اغتسلوا بماء طاهر ليس من زمزم وتوضئوا حسب شرع التاريخ مما افاؤه به عليهم فولتير ومونتسيكو وقبلهم اسبينوزا اليهودي.
فالانحسار عن التداخل وعدم اذكاء الجدل والغاء طرف لصالح طرف واقامة الاسوار الحديدية او مقاطعة الغرب بتحويل الصراع الي مجرد حرب كلامية وعن حرية لا معني لها داخل اسوار اسلامية او قومية مثلما فعل البعث وعبد الناصر له معني واحد هو خروج هذا الطرف من التاريخ لانتهاء دوره في صناعة الجدل. ادركت الصين خيبة السوفييت وبلاهة العرب فسعت الي الهدم المنظم بدلا من الانهيار المدوي حتي تدخل التاريخ مرة اخري.

يكمل انجلز حديثه: "ولئن كان من المتعذر أو يكاد عند البرابرة التمييز بين الحقوق و الواجبات، فإن الحضارة تبين بوضوح، حتى للغبي المطلق، الفرق و التضاد بين الحقوق و الواجبات و ذلك بمنحها طبقة جميع الحقوق تقريباً و بإلقائها جميع الواجبات تقريباً على الطبقة الأخرى".
هذا المشهد كما صوره انجلز هو ذاته سلوك البداوة العربية عند السلف الصالح وهو ما تردده ثقافة المنطقة لالف ونصف الف عام من التاريخ الضائع. لم تكن البرجوازية الاوروبية من الطمع بحيث تقتل الدجاجة التي تبيض ذهبا، اما البناء الفوقي العروبي الديني فلم يكتفي بذبح الدجاجة لاكثر من الف وربعمائة عام بل وهب لنفسه مقاعد الصديقين في الجنة وبات الناس (بروليتاريا الاسلام) يناشدون الاله لجلب الرضوان عليهم.

وللنتقل الان الي الجانب الاخر من القضية، فالاغبياء فقط هم من ينصتون الي كلام العدو باعتباره تعظيما لهم. ففي خمسينات وستينات القرن الماضي - زمن العداء - للغرب بكليته، يقول الاستاذ الفاضل والقدير جريس الهامس في احدي مقالاته علي هذا الموقع عن حركة العمال والفلاحين " وتكرر المشهد كل عام دون قمع أوإعتداء من قوى الأمن .. حتى سمع الحكام الديكتاتوريون بعد عام 1958 نصيحة دالس كما مر سابقا والذي صرح علناً : ( إن قانون إصلاح زراعي واحد وتأميم بعض المصانع أفضل من كل أجهزة المخابرات في مكافحة الشيوعية ) وهذا ما تم تنفيذه فعلاً على أيدي الأنظمة العسكرية التي إدعت الإشتراكية والتقدمية في مصر وسورية والعراق وليبيا والجزائر واليمن وغيرها ..."
وتاكيدا لقول الفاضل الهامس فان مشروع الاصلاح الزراعي كان فكرة امريكية عرضها الامريكيون زمن حكومة الوفد في مصر حسب ما كتبه د. انور عبد الملك اليساري في كتابة " المجتمع المصري والجيش" والذي كان قد صدر سابقا تحت بعنوان مختلف لم توافق عليه سلطة يوليو. سمع عبد الناصر النصيحة وقال سمعا وطاعةن غفرانك يا دالاس، وبدا في تطبيق الاصلاح الزراعي وهو يسب الامريكان. فكم مرة ادعي عبد الناصر صداقته للسوفيت ورحب السوفييت بصداقته بينما هو يخرب البناء السوفيتي والبناء المصري في نفس الوقت بتنفيذ تعاليم المسيح دالاس. هناك مثل مصري يقول : إتلم المتعوس علي خيب الرجا. ولنترك للقارئ تحديد المتعوس من خيب الرجا.

ولعلي اضيف ان دالاس وكما نشر بعد النهاية السعيدة لحركة القومية العربية، فان الوزير وقبل ان يغتسل من الجنابة من اثر الليلة السابقة وقبل ان يحتسي قهوة الصباح كان يسال" عما جادت به قريحة عبد الناصر وما حجم الشتائم التي وجهها لامريكا؟ فهناك سبع ساعات فرق توقيت كافية للزعيم ان يستحضر ما افاؤه الله عليه من سب وشتم. كان الوزير يطلب حبوب خفض ضغط الدم لو ان الاخبار كانت سلبية. كان المصريون يستهلكون من اسواق الشتائم الكثير. وليهنأ دالاس في مثواه فإن اصحاب اللحي البيضاء اليوم كتوزيع عادل لثروة السباب علي قنوات فضائية دينية يكملون المسيرة التحررية. اما العروبيين فيجتمعون لبحث مستقبل عروبتهم بعد نفاذ مخزون السباب لديها وللبحث في تجديد علاقاتهم بالامبريالية في زمن بات الاستغناء عنهم ممكنا بل ووقع بالفعل.

فالشيوعية والراسمالية والاسلام كلها امبرياليات ثقافية فياتري ايها قادرعلي القيادة لنضجها التاريخي ومدي انتمائها للحاضر واستشرافها المستقبل. كل منها يرتهن الي مقومات وأسس وبديهيات لا نعتقد ان الاسلام يحمل شيئا ذو قيمة مقارنة بالاثنين الآخرين وخاصة لو تعرضنا للبناء الفوقي أو التحتي لكل منهم.
قامت اسرائيل في بدايتها علي كيبوتزات شيوعية يحلم بمثلها المؤمنين من المسلمين لتشابهها مع جنة الله الموعودة مع فارق واحد ان نسائها يطمثن وبها عمل يومي لكنه مجاني لا يثاب عليه صاحبه الا بقدر حاجته. لهذا تفككت الكيبوتزات ولم يعد لها من وجود بعد الانتهاء من اقامة الدولة. فهل كان ممكنا لدولة اليهود ان تستمر علي اساس مخالف لمبدا التراكم وخاصة ان ماركس كان يهوديا اصلح له فرويد اليهودي مقولته في كتابه قلق في الحضارة بان قال: ماذا سيفعل السوفييت بعد ان ابادوا برجوازياتهم.
وظلت قشدة البناء الفوقي عند العرب وهو القانون والتشريع الحاكم للروابط الاجتماعية هي منجزات البداوة والبريبرية حسب قول انجلز والتي ضمت بلال وابن عفان. انه العقل الاخلاقي العربي متماهيا في حداثة كاذبة بينما انتمائه الحقيقي الي عصور سحيقة زمانا وليس إفرازا لبرجوازبة ما. كتب محمد عابد الجابري عن العقل الاخلاقي العربي، فهل كان الرجل رحمه الله عالما من اين تاتي الاخلاق؟ فما هو القانون وضوابط التشريع في زمن الحداثة العربية؟
في احدي حفلات الزواج ارتبط شاب بفتاه رفضت الحجاب ولا تصلي ولا تصوم ولا اعتقد ان لها علاقة بشئ اللهم الا ذاتها المتحققة في وظيفة بخبرتها العالية في تخصصها باحدي المؤسسات الراسمالية المستغلة ذائعة الصيت، فهي بروليتاريا من نوع ما. كان يمكن شراء عدة فتيات بثمن اقل مما دفعه هذا الثري. بعد انتهاء مراسم الزواج سال العريس عروسه عن مدي فهمها لما قالة المأذون كاتب وموثق العقد علي سنة الله ورسوله. اجابت بعدم فهمها لما قال. رد عليها بان سنه الله ورسوله هي حقه في مثني وثلاث ورباع.
ردت بضحكة لا تخلوا من السخرية: كدا يبقي جوازنا باطل و خلينا في الحرام احسن.

ما روجه عبد الناصر في كل خطبة بدفاعة عن العروبة هو سحب بساط المكاسب من العروس وتبديد تراكمها الواعي بذاتها لهذا ساد الحجاب بعد موته وتبجح البعض بالنقاب. نفس الشئ ينطبق علي حماس التي تنتمي الي زمن البربريات حسب وصف انجلز السابق، اليس العمل تحريرا وانتقالا من اخلاق الي اخلاق ارقي. فهل ستهزم حماس اسرائيل وهي تنشر الرزيلة الحلال بتشجيع تعدد الزوجات مع حصار اهل غزة ليؤدوا الفرائض ويستجلبوا رضوان الله علي هنية ومشعل دون عمل؟ وهل يمكن لحماس ان تقدم شيئا لشعب غزة حتي لو فتحت كل المعابر في مواجهه دولة ما بعد الحداثة الاسرائيلية بقدر ما يوفره العمل؟
عند هذه النقطة فاني علي يقين بان مؤتمر العروبة والمستقبل لم يكن اكثر من السؤال الشهير "ما العمل" كرسالة من القوميين موجه الي الراسمالية العالمية مستفسرين عن كيفية تجديد عقود الشراكة الضامنة لعدم دخول المنطقة عالم الديالكتيك في زمن انفضح فيه كل شئ وسقطت جميع اوراق التوت فبدت سوءة الكثيرين. لكن هناك من لا يخجل لسبب لانهم بلا عورة. فعثمان يريد فض الشراكة بينه وبين بلال لادراكه ان اسواق الامبريالية لا تضيع اجر من احسن ولاءا.

فالقانون الذي هو قشدة البناء الفوقي عندنا ينتمي الي عصر شرحه انجلز كما سبق، ولا توجد طبقات لها بناء فوقي بالمعني الماركسي ايها الاخوة الماركسيون، حيث تظل البربرية هي بناء العرب الفوقي وقانون عدالتهم بل وفلسفة نضالهم وصمودهم وممانعتهم الان. وسيظل العروبيين والاسلاميين يحتجزونكم في زنزانه خوفا من الليبرالية التي تهاجمونها ومن الماركسية التي تعتقدون انكم تعتنقونها.
قال ناعوم تشومسكي الذي يفتخر به اليسار بل ويغازله العروبيين ويتشكك فيه الاسلاميين، قال في لقاء شهير علي فضائية الجزيرة مع الاعلامي حافظ الميرازي:
"إذا استطاع العالم العربي تحرير نفسه من الهيمنة الأميركية فإنه سيعاني من آثار ذلك. إذا قاومت قوة عظيمة، فإن تلك القوة لن تكون مسرورة بذلك، وشواهد التاريخ كثيرة على ذلك وهي حالة تشبه حالة العبيد الذين يسعون إلى الانعتاق من سطوة مستعبديهم، إذا حاولوا الانفكاك سيعانون من تبعات ذلك، يعتمد ذلك على الخيار الذي سيتم اختياره، هل سيكون البقاء في الاستعباد أم اختيار الانعتاق وهذه خيارات تقف أمامها البشرية طوال تاريخها، والأمر في النهاية متروك للإنسان أن يختار ما يريد، وكم من الناس مستعد للإقدام على وقفة شجاعة نبيلة، وتحمل آثارها ومقاومة القهر والحصول على الحرية"
تشومسكي هنا يرثي حالة العرب بعكس ما يدعية البعض بتعاطفة معهم. فالوقفة الشجاعة النبيلة التي يقصدها عالم اللغويات الحديث لا تعني سوي التخلي عن البربرية العربية الموروثة. اما مؤتمر مستقبل العروبة فلم يكن اكثر من محاولة لتجنب اختيار الانعتاق الذي قدمه تشومسكي.

بعد الانتهاء من زعماء القومية بطلاق بائن منهم فلم يعد للامبريالية العالمية من ملك اليمين الا أمراء النفط العرب، ولا داعي للبكاء علي قضية العرب الاولي فهي كفارة العرب عما ارتكبوه من ذنوب في حق انفسهم. فضمان الرعاية والعناية والحماية وتوفير مسكن الزوجية العربي الاسلامي مشروط بان تراعي ألاماء شريعة الله بتامين ابناء العرب من عدوي الليبرالية. فبيت الزوجية هذا لا يحتاج الي بناء فوقي او طبقات محددة الملامح او برجوازية وبروليتاريا، بل يكفي الايمان للابناء حتي لا يكونوا عبئا علي الراسمالية العالمية. فهي لا تريد مشاركتهم. فماذا ستفعل الراسمالية باصحاب اللحية والنقاب وحفاظ القرآن ومرتلية؟ فتحالف بلال وعثمان وشرع الله الذي لا يعرف الصراع الطبقي كفيل ببقاء المنطقة دار عزاء للطم الخدود قوميا وماركسيا واسلاميا حتي لا يدرك احد ما شرحة انجلز. هنا يمكن شرح كيف ان العميان من المراكسة والقوميين باستخدام رصيدهم من الكراهية يخدمون الامبريالية ويمنحوها ارباحا طائلة بحجز الجيال الجديدة عن ان تكون بروليتاريا لان النظام العربي لا يعرف كيف يكون برجوازيا لمرة واحده. فهل عرفنا السبب في العداء الغير مبرر اتجاه الليبراليين من الكتاب المراكسة والقوميين والاسلاميين.

ان المسكوت عنه كثير لكن الاسلاميين والعروبيين والمتمركسين ليس لهم الا الظاهر حسب قول الاسلام، فتكفي اللحية والعمامة والتبتل والبسملة والحوقلة عند البعض، والزعامة والكاريزما والوعد بالنصر وتحرير الشعوب عن البعض، والبكاء علي البروليتاريا الغير موجوده عند الثالث منهم، حتي تظل الامامة محصورة في هذا الثالوث لاقامة الصلاة عند العرب. فهل قرأ أحد قصص يوسف ادريس جيدا وهو الذي كشف حقيقة ما في عقل الامام عندما اضاءت ليلي النور. فصلاة الجميع ورائكم باطلة.

الأحد، 6 يونيو 2010

صديقي العزيز


في زمن الانتصارات الكثيرة والتي لم تثبت رؤية هلال رمضان لصدقها بعد، كان صديقي يخفي الكتب في اماكن يعتقد بحسه الامني ان زوار الفجر لن يعرفوا لها طريقا. كلها كتب ممنوعه بفرمان من زعيم الامة خالد الذكر وجهازه السياسي الاتحاد الاشتراكي. بعض من اصحابها وقرائها وحفاظ نصوصها والمعتنقين لافكارها كانوا في السجون. قتل من قتل وتشوه من تشوه وخرج سالما من خرج. لم يطلعني صديقي علي مكتبته وعنواين الاغلفة الا بعد ان تاكد انهم حقنوني بجرعات كيماوية مكثفة في دورة معسكر تاهيل القادة بمنظمة الشباب في فبراير عام 67. كنا شبابا يتم تجنيدنا لمحاربة الاستعمار والصهيونية والرجعية والاستغلال والراسمالية. ورغم ضعف ذاكرتي حاليا الا أني علي يقين بان الكفار لم يكونوا ضمن قائمة من سنحاربهم بعد.

كان صديقي محبا للقومية العربية والاشتراكية العربية والوحده العربية والمادية الجدلية والحتمية التاريخية. كان دائما يموه حديثه عن الاشتراكية بالسخرية من اي نقد للسلطة وافعالها وما نرصده في الواقع من تشوهات. اما عند الحديث عن الغرب وامريكا ومن هم علي شاكلتهم من ابناء الشياطين والقردة والخنازير والاغنياء والبرجوازية فكانت تقابل بالتكشير وتقطيب الجبين وحدة الصوت مع السب والشتم. لم تكن عناوين أغلفة كتب مكتبته من نوعيه كيف تمارس الجنس، او مذكرات عاهرة، او العلاقات الجنسية الصحية، بل كان اصحابها من امثال فرانز فانون، روجيه دوبريه، جورج بوليتزر، محمود امين العالم, واعمال ادبية عالمية كثيرة كالام والابله.

الا ان الرعب من اعلان حيازتها كان حاضرا دوما تخوفا من زوار الفجر الذين ياخذون اوامرهم مباشرة من رئاسة التنظيم الطليعي ومنظمة الشباب التي اصبحت عضوا فيها غصبا وليس تطوعا. فرغم كثرة الاوقات الجميلة التي قضيتها مع اصدقاء ذلك الزمن الا ان ما لا انساه من صديقي هو حادثتي خروجه مرتين مهرولا جريا يلطم الخدود ويشق الجيوب ويصرخ باكيا محاولا منع القدر من الوقوع او عوده الزمن لدقائق لتحاشي ما قد وقع. الاولي عندما تنحي الزعيم والثانية عند موته.
بعدها بزمن قصيرجفت دموعه وجرت مياه كثيرة في مواسير الصرف الصحي. وطفح معظمها في شوارع القاهرة معلنة نوعا من الشفافية لما كان يجري زمن الاشتراكية العربية والنضال ضد الاستعمار والصهيونية والاستغلال والراسمالية. كان الطفح يحدث علي طريقة الكتابة بصراحة من كاتب النظام الاول في جريدة الاهرام ومدير عام المجاري الصحفية.

في احدي ندوات المنظمة لتجهيزنا لنكون روادا وقادة قبل تنحي الزعيم، قال المحاضر سنحارب امريكا وسنهزمها. ما قاله لم يكن مقدمة لمحاضرة بل كنتيجة بعد شرح واف لتصبح مخيلتنا جاهزة لتقبل النتائج المحسومة مسبقا. كان المجندون لهذه الدورة كلهم مهندسون واطباء حيث لا اوهام فيما درسوه في الجامعة من البناء والتركيب في الهندسة او في العلاج والصحة. لم يكن العلاج بالقرآن قد اضيف بعد الي مناهج الفارماكولوجي او العلاج عن بعد. لكن السياسة عند الزعيم كان بها ما لا عين رات ولا أذن سمعت. ما فاتهم قوله، عندما استدعونا للدورة التأهيلية، التنبيه بالتخلي عما حشرته الجامعة من معلومات خاطئه في الطب والهندسة. او علي الاقل نسيان منهجية ما تعلمناه مؤقتا حتي تنتهي الدورة بسلام. فالوظيفة في السياسة عند العروبيين والقوميين لا علاقة لها بالعلم. وهو ما وجدته ايضا عند الاسلاميين مؤخرا. في احدي حلقات الاسلاميون علي قناه الجزيرة اتضح ان تنظيم الاخوان بدا بسباك ومكوجي ونجار وتباع علي عربة نقل بضائع. ومع كل التقدير فان احترام العمل وعدم التمييز واجب وحق وقانون عند المتحضرين الذين يعرفون معني قوة العمل في سوق العمل ودورها في انتاح الفوائض اشتراكيا كان ام راسماليا مهما تفاوتت فروقهم الطبقية. اما في العروبة والاسلام فالتخلي عن العلم شرط وان الاعتصام بحبل الله او الاستماع لمن لا مؤهل له فرض عين. اليست خير امة اخرجت للناس؟!

أثناء انعقاد هذه الدورة التاهيلية للقادة كان اسمي ضمن الذين وقع الاختيار عليهم لدورة اعلي ستنعقد في صيف نفس العام. لم نكن نعرف عن امريكا الا ما شاهدناه من افلام الكاوبوي وافلام الدراما والمعلومات والتي يستحيل اخفاؤها كاخبار الفضاء وصناعة السيارات التي يتيحها اعلام النظام وجهاز استعلاماته. لكن وبمجرد ان قال الموجه السياسي اننا سنحارب امريكا شهقت شهقة لفتت انظار الخمسة وعشرون طالبا في الخيمة. وتساءلت مندهشا "إحنا هنحارب امريكا"؟
تدخل المحاضر وطلب الالتزام بالقواعد، بان ارفع يدي اولا ثم اذكر اسمي ورقمي ورقم الفرقة. ولن اخوض كثيرا فيما جري من حوار لا لسبب سوي الالزهايمر المبكر حاليا. لكن ما اتذكره جيدا ان اسمي شطب من قائمة الدورة التالية وعدت بعدها الي عملي المدني لافاجأ بعد شهور قليلة، وقبل انعقاد الدورة التدربية الاعلي، بصديقي يخرج مهرولا باكيا للمرة الاولي.

فالامور في هذه الازمة كانت مما يمكن اعاده ترتيبه. فالزعيم لازال حيا. وجهازه لازال بخير. كل ما في الامر انه تهور ولو قليلا في مسالة التنحي او ربما كان هناك خطأ في صياغة خطاب التنحي الذي كتبه والفه وراجعه مدير عام الصرف الصحفي الشهير بصراحة.
كانت سعادتي بالغة لما استقرت حالة الصديق العزيز بعد اقل من 24 ساعة بالعودة الميمونه للزعيم خالد الذكر. كان صديقي محظوظا بالفعل. فخطاب التنحي لم يكن باكثر من "بلاف". كان صديقي ممن يهوون لعب البوكر والايستماشن والبريدج مع اصدقاء كثيرين وعلمني اياها لكني لم اجيدها مثله علي الاطلاق. ومع ذلك كنت من الذين وقع عليهم الاختيار لاكون من القادة والرواد في منظمة الشباب. فعندما ادرك المشرفين علي عمل اعداد القادة انني لست ممن يتقنون الـ "بلاف" أو عدم القدرة علي ممارسته وانني "مدب" حسب الاقوال الشعبية في مصر المحروسة، تم شطب اسمي من باقي الدورات التي توقفت فيما بعد لحادث غير سعيد وقع بدون قصد من الزعيم في التاسع من يونيو الشهير بعد وعكة حربية في الخامس نفس الشهر.

حمد صديقي الله علي التحسن في صحته وتوازنه السياسي بعودة القائد عن شططه بالتنحي، أما شططه في دخوله الحرب فذلك من الصغائر التي يمكن التكفير عنها بصيام شهرين متتابعين او اطعام عشرة مساكين. فكثيرين سقطت الهتهم ولم تعد ابدا او بمثل هذه السهولة ثانية الي قواعدها سالمة. فعلي سبيل المثال، أذكر هبل واللات والعزي حيث لازال افئدة من الناس تهوي الي عودتها بأم القري يتمنون رجوعها لاصلاح ما افسده الدهر علي مدي 1400 عام مضت وهناك من يقول بحق العودة واخرين ينشدون وراء ام كلثوم " إنا لمنتظرون" في اغنيتها النضالية الشهيرة البادئة ببيت الفصيدة"
" سقط النقاب عن الوجوه الغادرة .. وعقيدة الشيطان باتت سافرة ... إنا فدائيون.
رحمها الله ... ولعل رحمته بها كانت ارحم منا بكثير حيث تركنا لنشهد نحن النقاب في كل مكان والفدائيون باحزمة ناسفة وسيارات مفخخة قتلوا بها مسلمين كثيرين..
دامت سعادة صديقي سنوات قلائل تمزقت فيها الاوقات واصبح كل منا في طريق مشتتين بين ولاء اشتراكي أو قومي او عروبي. كلها لا يصلح للسير فالعاهات بها كثيرة بدءا من التصاق الفخذين او الفلات فوت.

بعد ارتداء الزي الذي يحدد المدني من العسكري ويضعنا في خانة الذين يحررون الاوطان ويستعيدون الكرامة وفي اثناء التدريب الذي نسيوا اجادته حتي لحظة خروج صديقي باكيا مولولا للمرة الاولي، وجدت ما يشبه المحاضر الذي شطب اسمي من سجلات الدجل الاشتراكي والقومي في منظمة الشباب. هذه المرة كان بزي عسكري ورتبة تتطلب التشنج اثناء تحيتها ولا يجوز مقاطعتها او طرح الاسئلة حتي ولو رفعت يدي او ذكرت رقمي في الجندية.

لم يكن اسم الدورة اعداد القادة انما التوجيه المعنوي. في المنظمة طالبونا بالاقتناع بما يقولونه. اما في التوجيه المعنوي فتوجيه الدفة التي في مؤخرة كل منا ربما كانت اكثر تاثيرا. فلم نعد في منظمة انما في قوات مسلحة اما الولاء (البراء لم يكن قد ظهر بعد) واما الخيانة. فاسمي لن يشطب هذه المرة بل ساكون في ساحة تنفيذ الاحكام. ولا اعرف علي وجه اليقين لماذا ادرجوا اسمي هذه المرة ايضا ضمن المطلوب توجيههم رغم اني المغضوب عليهم في فاتحة الكتاب وفي سجلات الاتحاد الاشتراكي. بررت الامر بانه خطا في تسليم وتسلم الكشوف من منظمة الشباب. فما اكثر اخطاء البيروقراطية المصرية. وهو ما اتمني تكراره يوم القيامة لادخل في زمرة الشهداء والصديقين. لكني ولجهلي بالعروبة وبالاسلام وقتها لم يسعفني تفكيري وقتها الي اكتشاف مصادر الخطأ.

ادركت الامر عندما وصل الامر بالمحاضر، المتشنج الجميع امامه، في توجيهه المعنوي بعد تقديم واف وشرح بليغ ومع التمحك في ضرورة التوازنات الدولية لرد الشبهات عن حالة العرب بقوله "سنهزمهم لان الله قال لو عدتم عدنا" مستفيضا في سرد سورة الاسراء ودخول الاقصي رايح جاي. عندها تذكرت قول الفقية الاسلامي مقلوبا عندما لم يتمكن السلطان بان يزغنا بزوار الفجر و بصراحة مواسير الصرف الصحفي والموجه السياسي في المنظمة فانه يزغنا بالامر العسكري والتوجيه المعنوي. لم يدرك الفقية قديما ان السلطان له الكلمة العليا علي القرآن حيث قال بان من لم يزغه القرآن يزغه السلطان. كان الوزغ هدفا في الحالتين. إما لاقناعنا بفكر القائد وكتابات الصرف الصحفي وإما بالمقدس الذي لا راد لقضائه..
كنا اقوي قوة ضاربة في الشرق الاوسط وقت ان أخذونا الي معسكر اعداد القادة في المنظمة وكان مجرد حرب امريكا هو ما يريدون توطينه في العقل. بعد الهزيمة الكبري في ربع ساعة
http://www.metransparent.com/spip.php?page=article&id_article=1628&var_lang=ar&lang=ar
بعدها تصاعدت احلام العصافير وارتفت شقشقاتها وخرج علينا مدير عام هيئة الصرف الصحفي بعد تسليك المجاري العمومية يشرح الاستراتيجية الجديدة لعدم حدوث انسدادات مرة أخري في مواسير النظام. ففي نفس الركن الهادئ تحت عنوان بصراحة كتب جوبلز النظام مشددا علي ضرورة تحييد امريكا في الصراع. ولولا عدم وجود اي مدخرات مالية لي في هذا الوقت لاقمت دعوي في المحكمة ضد من شطبوا اسمي في المنظمة ولطالبت الموجه الذي ابلغ عن عصياني بالتعويض او دفع ديه. لكني فضلت العفو عند المغفرة لقصر ذات اليد ولاني علي يقين ان الله لن يضيع اجر من احسن عملا.

لم تمر سنوات قليلة حتي خرج صديقي باكيا مولولا لمرة ثانية وأخيرة. بعدها تلاقينا كثيرا كل يغني علي ليلاه وامامنا زجاجات البيرة والمزة نشرب ونتذكر ونقلب الكتب. أخذت بعضها لقراءته ونسيت بعضها علي الكرسي الخلفي في السيارة وهي تقف في عرض الطريق. فهي لم تعد خطرا ولا تلفت نظر احد ولا تهم الامن. فقد اصبحنا جميعا في حضن امريكا ولا خطر من احد علي احد. ولا حول ولا قوة الا بالله.

منذ ذلك الوقت بدأ اصحاب السيارات، عيني عينك وبكل بجاحة، في وضع المصاحف في مقدمة السيارة ومؤخرتها ايضا، فهي ليست من الممنوعات ولا حتي مما تطارده السلطة او امريكا. فالناس اصبحوا اكثر عددا وعبئا علي الحكومة بعد حل المنظمة والتي تحولت الي حزب سياسي بلا فكر او ايديولوجيا ولا توجيه سياسي او معنوي. فالناس ليسوا وفي حاجة الي من يرشدهم لا الي الاشتراكية او الحرب فهناك جنات خلد تنتظرهم فيها ما لا عين رات ولا اذن سمعت. يعب منها كل ذو حظ عظيم من السلع بلا ثمن ولا جهد ولا استغلال فيها كل الملذات بدون عرق او حيض ونفاس. دخولها سهل، كل ما يتطلبه الامر العودة الي الله كما عادوا من سيناء وبالا يسقطوا النقاب عن الوجوه الجميلة حتي يسود القبح والا يتبنوا عقيده الشيطان لكن بالقيام بكل افعالة بعد تقديم الاستعاذة والبسملة لضمان عدم الاعتراض او زيارات الفجر.
ملحوظة: نفس معسكر إعداد القادة في منظمة الشباب تحول الان الي مركز لاعداد الدعاة من الاسلاميين ولا زال القبض يجري علي من يقرأ كتاب فرانز عمر فانون الشهير "الولاء والبراء" !!!!!!!!!!!
مع الاعتذار لاي اخطاء مقصودة او غير مقصوده

صديقي العزيز


في زمن الانتصارات الكثيرة والتي لم تثبت رؤية هلال رمضان لصدقها بعد، كان صديقي يخفي الكتب في اماكن يعتقد بحسه الامني ان زوار الفجر لن يعرفوا لها طريقا. كلها كتب ممنوعه بفرمان من زعيم الامة خالد الذكر وجهازه السياسي الاتحاد الاشتراكي. بعض من اصحابها وقرائها وحفاظ نصوصها والمعتنقين لافكارها كانوا في السجون. قتل من قتل وتشوه من تشوه وخرج سالما من خرج. لم يطلعني صديقي علي مكتبته وعنواين الاغلفة الا بعد ان تاكد انهم حقنوني بجرعات كيماوية مكثفة في دورة معسكر تاهيل القادة بمنظمة الشباب في فبراير عام 67. كنا شبابا يتم تجنيدنا لمحاربة الاستعمار والصهيونية والرجعية والاستغلال والراسمالية. ورغم ضعف ذاكرتي حاليا الا أني علي يقين بان الكفار لم يكونوا ضمن قائمة من سنحاربهم بعد.

كان صديقي محبا للقومية العربية والاشتراكية العربية والوحده العربية والمادية الجدلية والحتمية التاريخية. كان دائما يموه حديثه عن الاشتراكية بالسخرية من اي نقد للسلطة وافعالها وما نرصده في الواقع من تشوهات. اما عند الحديث عن الغرب وامريكا ومن هم علي شاكلتهم من ابناء الشياطين والقردة والخنازير والاغنياء والبرجوازية فكانت تقابل بالتكشير وتقطيب الجبين وحدة الصوت مع السب والشتم. لم تكن عناوين أغلفة كتب مكتبته من نوعيه كيف تمارس الجنس، او مذكرات عاهرة، او العلاقات الجنسية الصحية، بل كان اصحابها من امثال فرانز فانون، روجيه دوبريه، جورج بوليتزر، محمود امين العالم, واعمال ادبية عالمية كثيرة كالام والابله.

الا ان الرعب من اعلان حيازتها كان حاضرا دوما تخوفا من زوار الفجر الذين ياخذون اوامرهم مباشرة من رئاسة التنظيم الطليعي ومنظمة الشباب التي اصبحت عضوا فيها غصبا وليس تطوعا. فرغم كثرة الاوقات الجميلة التي قضيتها مع اصدقاء ذلك الزمن الا ان ما لا انساه من صديقي هو حادثتي خروجه مرتين مهرولا جريا يلطم الخدود ويشق الجيوب ويصرخ باكيا محاولا منع القدر من الوقوع او عوده الزمن لدقائق لتحاشي ما قد وقع. الاولي عندما تنحي الزعيم والثانية عند موته.
بعدها بزمن قصيرجفت دموعه وجرت مياه كثيرة في مواسير الصرف الصحي. وطفح معظمها في شوارع القاهرة معلنة نوعا من الشفافية لما كان يجري زمن الاشتراكية العربية والنضال ضد الاستعمار والصهيونية والاستغلال والراسمالية. كان الطفح يحدث علي طريقة الكتابة بصراحة من كاتب النظام الاول في جريدة الاهرام ومدير عام المجاري الصحفية.

في احدي ندوات المنظمة لتجهيزنا لنكون روادا وقادة قبل تنحي الزعيم، قال المحاضر سنحارب امريكا وسنهزمها. ما قاله لم يكن مقدمة لمحاضرة بل كنتيجة بعد شرح واف لتصبح مخيلتنا جاهزة لتقبل النتائج المحسومة مسبقا. كان المجندون لهذه الدورة كلهم مهندسون واطباء حيث لا اوهام فيما درسوه في الجامعة من البناء والتركيب في الهندسة او في العلاج والصحة. لم يكن العلاج بالقرآن قد اضيف بعد الي مناهج الفارماكولوجي او العلاج عن بعد. لكن السياسة عند الزعيم كان بها ما لا عين رات ولا أذن سمعت. ما فاتهم قوله، عندما استدعونا للدورة التأهيلية، التنبيه بالتخلي عما حشرته الجامعة من معلومات خاطئه في الطب والهندسة. او علي الاقل نسيان منهجية ما تعلمناه مؤقتا حتي تنتهي الدورة بسلام. فالوظيفة في السياسة عند العروبيين والقوميين لا علاقة لها بالعلم. وهو ما وجدته ايضا عند الاسلاميين مؤخرا. في احدي حلقات الاسلاميون علي قناه الجزيرة اتضح ان تنظيم الاخوان بدا بسباك ومكوجي ونجار وتباع علي عربة نقل بضائع. ومع كل التقدير فان احترام العمل وعدم التمييز واجب وحق وقانون عند المتحضرين الذين يعرفون معني قوة العمل في سوق العمل ودورها في انتاح الفوائض اشتراكيا كان ام راسماليا مهما تفاوتت فروقهم الطبقية. اما في العروبة والاسلام فالتخلي عن العلم شرط وان الاعتصام بحبل الله او الاستماع لمن لا مؤهل له فرض عين. اليست خير امة اخرجت للناس؟!

أثناء انعقاد هذه الدورة التاهيلية للقادة كان اسمي ضمن الذين وقع الاختيار عليهم لدورة اعلي ستنعقد في صيف نفس العام. لم نكن نعرف عن امريكا الا ما شاهدناه من افلام الكاوبوي وافلام الدراما والمعلومات والتي يستحيل اخفاؤها كاخبار الفضاء وصناعة السيارات التي يتيحها اعلام النظام وجهاز استعلاماته. لكن وبمجرد ان قال الموجه السياسي اننا سنحارب امريكا شهقت شهقة لفتت انظار الخمسة وعشرون طالبا في الخيمة. وتساءلت مندهشا "إحنا هنحارب امريكا"؟
تدخل المحاضر وطلب الالتزام بالقواعد، بان ارفع يدي اولا ثم اذكر اسمي ورقمي ورقم الفرقة. ولن اخوض كثيرا فيما جري من حوار لا لسبب سوي الالزهايمر المبكر حاليا. لكن ما اتذكره جيدا ان اسمي شطب من قائمة الدورة التالية وعدت بعدها الي عملي المدني لافاجأ بعد شهور قليلة، وقبل انعقاد الدورة التدربية الاعلي، بصديقي يخرج مهرولا باكيا للمرة الاولي.

فالامور في هذه الازمة كانت مما يمكن اعاده ترتيبه. فالزعيم لازال حيا. وجهازه لازال بخير. كل ما في الامر انه تهور ولو قليلا في مسالة التنحي او ربما كان هناك خطأ في صياغة خطاب التنحي الذي كتبه والفه وراجعه مدير عام الصرف الصحفي الشهير بصراحة.
كانت سعادتي بالغة لما استقرت حالة الصديق العزيز بعد اقل من 24 ساعة بالعودة الميمونه للزعيم خالد الذكر. كان صديقي محظوظا بالفعل. فخطاب التنحي لم يكن باكثر من "بلاف". كان صديقي ممن يهوون لعب البوكر والايستماشن والبريدج مع اصدقاء كثيرين وعلمني اياها لكني لم اجيدها مثله علي الاطلاق. ومع ذلك كنت من الذين وقع عليهم الاختيار لاكون من القادة والرواد في منظمة الشباب. فعندما ادرك المشرفين علي عمل اعداد القادة انني لست ممن يتقنون الـ "بلاف" أو عدم القدرة علي ممارسته وانني "مدب" حسب الاقوال الشعبية في مصر المحروسة، تم شطب اسمي من باقي الدورات التي توقفت فيما بعد لحادث غير سعيد وقع بدون قصد من الزعيم في التاسع من يونيو الشهير بعد وعكة حربية في الخامس نفس الشهر.

حمد صديقي الله علي التحسن في صحته وتوازنه السياسي بعودة القائد عن شططه بالتنحي، أما شططه في دخوله الحرب فذلك من الصغائر التي يمكن التكفير عنها بصيام شهرين متتابعين او اطعام عشرة مساكين. فكثيرين سقطت الهتهم ولم تعد ابدا او بمثل هذه السهولة ثانية الي قواعدها سالمة. فعلي سبيل المثال، أذكر هبل واللات والعزي حيث لازال افئدة من الناس تهوي الي عودتها بأم القري يتمنون رجوعها لاصلاح ما افسده الدهر علي مدي 1400 عام مضت وهناك من يقول بحق العودة واخرين ينشدون وراء ام كلثوم " إنا لمنتظرون" في اغنيتها النضالية الشهيرة البادئة ببيت الفصيدة"
" سقط النقاب عن الوجوه الغادرة .. وعقيدة الشيطان باتت سافرة ... إنا فدائيون.
رحمها الله ... ولعل رحمته بها كانت ارحم منا بكثير حيث تركنا لنشهد نحن النقاب في كل مكان والفدائيون باحزمة ناسفة وسيارات مفخخة قتلوا بها مسلمين كثيرين..
دامت سعادة صديقي سنوات قلائل تمزقت فيها الاوقات واصبح كل منا في طريق مشتتين بين ولاء اشتراكي أو قومي او عروبي. كلها لا يصلح للسير فالعاهات بها كثيرة بدءا من التصاق الفخذين او الفلات فوت.

بعد ارتداء الزي الذي يحدد المدني من العسكري ويضعنا في خانة الذين يحررون الاوطان ويستعيدون الكرامة وفي اثناء التدريب الذي نسيوا اجادته حتي لحظة خروج صديقي باكيا مولولا للمرة الاولي، وجدت ما يشبه المحاضر الذي شطب اسمي من سجلات الدجل الاشتراكي والقومي في منظمة الشباب. هذه المرة كان بزي عسكري ورتبة تتطلب التشنج اثناء تحيتها ولا يجوز مقاطعتها او طرح الاسئلة حتي ولو رفعت يدي او ذكرت رقمي في الجندية.

لم يكن اسم الدورة اعداد القادة انما التوجيه المعنوي. في المنظمة طالبونا بالاقتناع بما يقولونه. اما في التوجيه المعنوي فتوجيه الدفة التي في مؤخرة كل منا ربما كانت اكثر تاثيرا. فلم نعد في منظمة انما في قوات مسلحة اما الولاء (البراء لم يكن قد ظهر بعد) واما الخيانة. فاسمي لن يشطب هذه المرة بل ساكون في ساحة تنفيذ الاحكام. ولا اعرف علي وجه اليقين لماذا ادرجوا اسمي هذه المرة ايضا ضمن المطلوب توجيههم رغم اني المغضوب عليهم في فاتحة الكتاب وفي سجلات الاتحاد الاشتراكي. بررت الامر بانه خطا في تسليم وتسلم الكشوف من منظمة الشباب. فما اكثر اخطاء البيروقراطية المصرية. وهو ما اتمني تكراره يوم القيامة لادخل في زمرة الشهداء والصديقين. لكني ولجهلي بالعروبة وبالاسلام وقتها لم يسعفني تفكيري وقتها الي اكتشاف مصادر الخطأ.

ادركت الامر عندما وصل الامر بالمحاضر، المتشنج الجميع امامه، في توجيهه المعنوي بعد تقديم واف وشرح بليغ ومع التمحك في ضرورة التوازنات الدولية لرد الشبهات عن حالة العرب بقوله "سنهزمهم لان الله قال لو عدتم عدنا" مستفيضا في سرد سورة الاسراء ودخول الاقصي رايح جاي. عندها تذكرت قول الفقية الاسلامي مقلوبا عندما لم يتمكن السلطان بان يزغنا بزوار الفجر و بصراحة مواسير الصرف الصحفي والموجه السياسي في المنظمة فانه يزغنا بالامر العسكري والتوجيه المعنوي. لم يدرك الفقية قديما ان السلطان له الكلمة العليا علي القرآن حيث قال بان من لم يزغه القرآن يزغه السلطان. كان الوزغ هدفا في الحالتين. إما لاقناعنا بفكر القائد وكتابات الصرف الصحفي وإما بالمقدس الذي لا راد لقضائه..
كنا اقوي قوة ضاربة في الشرق الاوسط وقت ان أخذونا الي معسكر اعداد القادة في المنظمة وكان مجرد حرب امريكا هو ما يريدون توطينه في العقل. بعد الهزيمة الكبري في ربع ساعة
http://www.metransparent.com/spip.php?page=article&id_article=1628&var_lang=ar&lang=ar
بعدها تصاعدت احلام العصافير وارتفت شقشقاتها وخرج علينا مدير عام هيئة الصرف الصحفي بعد تسليك المجاري العمومية يشرح الاستراتيجية الجديدة لعدم حدوث انسدادات مرة أخري في مواسير النظام. ففي نفس الركن الهادئ تحت عنوان بصراحة كتب جوبلز النظام مشددا علي ضرورة تحييد امريكا في الصراع. ولولا عدم وجود اي مدخرات مالية لي في هذا الوقت لاقمت دعوي في المحكمة ضد من شطبوا اسمي في المنظمة ولطالبت الموجه الذي ابلغ عن عصياني بالتعويض او دفع ديه. لكني فضلت العفو عند المغفرة لقصر ذات اليد ولاني علي يقين ان الله لن يضيع اجر من احسن عملا.

لم تمر سنوات قليلة حتي خرج صديقي باكيا مولولا لمرة ثانية وأخيرة. بعدها تلاقينا كثيرا كل يغني علي ليلاه وامامنا زجاجات البيرة والمزة نشرب ونتذكر ونقلب الكتب. أخذت بعضها لقراءته ونسيت بعضها علي الكرسي الخلفي في السيارة وهي تقف في عرض الطريق. فهي لم تعد خطرا ولا تلفت نظر احد ولا تهم الامن. فقد اصبحنا جميعا في حضن امريكا ولا خطر من احد علي احد. ولا حول ولا قوة الا بالله.

منذ ذلك الوقت بدأ اصحاب السيارات، عيني عينك وبكل بجاحة، في وضع المصاحف في مقدمة السيارة ومؤخرتها ايضا، فهي ليست من الممنوعات ولا حتي مما تطارده السلطة او امريكا. فالناس اصبحوا اكثر عددا وعبئا علي الحكومة بعد حل المنظمة والتي تحولت الي حزب سياسي بلا فكر او ايديولوجيا ولا توجيه سياسي او معنوي. فالناس ليسوا وفي حاجة الي من يرشدهم لا الي الاشتراكية او الحرب فهناك جنات خلد تنتظرهم فيها ما لا عين رات ولا اذن سمعت. يعب منها كل ذو حظ عظيم من السلع بلا ثمن ولا جهد ولا استغلال فيها كل الملذات بدون عرق او حيض ونفاس. دخولها سهل، كل ما يتطلبه الامر العودة الي الله كما عادوا من سيناء وبالا يسقطوا النقاب عن الوجوه الجميلة حتي يسود القبح والا يتبنوا عقيده الشيطان لكن بالقيام بكل افعالة بعد تقديم الاستعاذة والبسملة لضمان عدم الاعتراض او زيارات الفجر.
ملحوظة: نفس معسكر إعداد القادة في منظمة الشباب تحول الان الي مركز لاعداد الدعاة من الاسلاميين ولا زال القبض يجري علي من يقرأ كتاب فرانز عمر فانون الشهير "الولاء والبراء" !!!!!!!!!!!
مع الاعتذار لاي اخطاء مقصودة او غير مقصوده

العرب بين الاساطير والعقلانية


لم تحدث نقلة نوعية في عقول البشر عند الانتقال من زمن الاساطير الي زمن الاديان، بقدر ما حدث من انتقال من زمن الاديان الي زمن المعرفة العلمية الحديثة. فكل ما جاء في الاساطير تم تأطيره واعاده تضمينه بمصداقية مقدسة ضمن الافكار المصاغة لغويا للكتب المقدسة الثلاث. وربما كان هذا هو السبب في العراك والخصام بل والحرب فيما بين هذه الكتب علي اصل الاسطورة ولمن كانت تهدف اثناء خدمتها لاهدافها.

ولخلو زمن الاساطير وزمن الاديان من العقلانية فان فكرة التراكم غابت وظل الامر محصورا في سطو كل دين علي قدر استطاعته من التراث الاسطوري والسحري السابق له بعكس عصر العلم الحديث حيث الابداع العقلي والكشف المعرفي نظريا او تجريبيا الذي اتخذ التراكم واعاده بناء النموذج ليكون اكثر تماسكا ومتفقا مع شواهد الواقع مع القطيعة التامة للنماذج السابقة. وهذا هو الفارق الجوهري في بنية العقل الانساني بين الاسطورة والدين وبين عصر العلم.
فهل هناك مشترك بينهم ام انه تناقض اساسي لا مجال للتوحيد بينهما مثلما يفعل الاسلاميين الان بتفسير الخرافات الدينية واعطائها بعدا علميا.
المشترك بين العصرين هو العقل البشري وله منهج واحد ويعمل بوظيفة محدده ذكرها جان بياجية في ابستمولجيته الارتقائية باكتشافه ان العقل عند الطفل مقارنة بالعقل عند البالغ هو ذاته الفرق بين الطفولة البشرية في قدم تاريخيتها وبين حالها اليوم. لم يشذ بياجية في نتائجه عن سيجموند فرويد في علم النفس وعن كثيرين من كتاب التاريخ ومؤرخي الحضارات. ما يلفت النظر بوضوح تام ان العقل الانساني في زمن الاساطير والاديان كان يلوك تراثه لاعاده انتاجه لاعاده الاقناع معرفيا او الاخضاع سياسيا للبشر. فنبي اليهودية ونبي الاسلام كلاهما اهتما بالاخضاع السياسي بجذب الشعب خارج مناطق العراك الاسطوري الجغرافية واعاده تاهيله ليكون شعب الله المختار او خير امة اخرجت للناس. ظل العراك بين الاسلام واليهودية (زمن الاسطورة والدين) قائما لمن ينتسب الشعب واي بركة او حبل يخص المقدس هم به متمسكون.

فمن مصر اخرج موسي قومه ومن مكة اخرج محمد تابعية. فرغم المغادرة الجغرافية فإن ما جري بعد ذلك من وقائع ليس سوي استدعاء لاساطير ما قبل التأسيس من البلاد التي غادروها لاعادة استخدامها لخدمة مشروعاتهم الايمانية الجديدة التي هي سياسية وبدون اي نظرية سياسية. ولن نخوض في قصص التابوت التوراتية او الملائكة المسومة قرآنيا في اثبات الطرح السابق حيث إعادة الاستخدام لكل ما رسب في العقل الجمعي الغريزي من اساطير وبشكل خام دون اي اضافة او نقد.
أما في عصور العلم فان النقلة النوعية في بناء العقل جعلت كل تراكم سابق قابل لاعادة البحث والتحليل واستخلاص ما يمكن ان يكون مفيدا في النموذج الجديد. ففي الاسطير و الاديان لا نماذج جديدة، فالله واحد ومنهجه ثابت حيث النبوات وارسال الكتب حتي ولو حرفت او ضاعت فهي وكما تقول آخر المراحل العمرية في زمن الاديان (الاسلام) ان الاسلام هو الاصل منذ القدم وان ما اتاه بني اسرائيل هو ذاته ما لدي رسول الاسلام ومصدرهما واحد ومن مشكاة واحده بل ان نبي الاسلام هو ما كان علي بني اسرائيل اتباعه لانه مكتوب عنده منذ اكثر من الفي عام. حتي الزمن لم يعد له اضطراد او تتابع مثلما هو الطفل الفاقد لمعني الوقت.
بتحليل الاسطورة سنكتشف ادوات عمل العقل الانساني في ذلك الزمن المناظر لفترة الطفولة الحضارية كما شرحه فرويد في نظرية الاحلام او جان بياجية واخرين. فالعقل الاسطوري يعتمد كتلة معرفية ثابتة ترثها الكهانة حيث يجري استطلاع المستقبل والغيب عبر العراف الذي منحته الالهه قدرات خارقة ترضي العقل الجمعي الطفولي لدي الشعب أملا في ايهامه بان النصر قريب او الطعام سيكون وفيرا او الامن سيكون متاحا الي آخر الاحتياجات الملحة للشعب الجائع او الذي يسعي الي أمن. جاء بالقرآن في سورة قريش وهي سورة الشعب لو قارناه بشعب بني اسرائيل في اليهودية : فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ. فمغادرة مكة لم تمنع الاسلام من استدعاء الكعبة (حيث كان مجمعا للاوثان من داخلها وعلي سطحها) منها وجعله هو المامن مجددا لكن بشروط سياسية جديدة. ومغادرة مصر لم تمنع العراف من الابتهال لاطعام الشعب لضمان ولائه لانه القدير علي توفير الحاجات الاساسية.

استدعي الاسلام قصة الخضر الذي يعلم الغيب ولا يستطيع معه موسي الصبر علي معارفه الفائقة ويمكنه تامين ما لا يمكن لموسي تامينه. كان استحضار هذه الشخصية بشكل خام لمهمة وظيفية هي ضمان تماسك الشعب حول قائده باعتباره قريبا من العارفين. تم توظيف الخضر العارف لموسي الكليم ولم يسال العقل الديني لماذا لم يستطع موسي اخذ معارف زميله لحل مشاكل شعبه. فالسؤال والتحليل ليسا من ادوات العقل الطفولي عند بياجية حيث يقوم الطفل بالمحاولة والخطا حتي يصل الي حل. هكذا ظل الاستدعاء لنفس التجربة حتي زمن الاسلام بل ان المعرفة انتقلت لما هو اكثر اسطورية حيث اصبح الجن يسترق السمع حتي وجدت السماء شهبا رصدا له لمنعه من المعرفة عبر التجسس علي السماء لان هناك قرآنا لم يفرط في شئ بات في متناول اهل الارض وعليهم الايمان بتلك الرسالة فهي الخاتم، واثبت النص قدرتهم علي التمييز بقولهم " فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآناً عَجَباً" بداية سورة الجن. بهذا امتدت الكهانة الي الجن بعد ان كانت حكرا علي بشر زمن السحر والاساطير. في هذه المرحلة الاخيرة من توظيف الكهانة اصبح من الممكن حلول الجن في الاصنام وهو استدعاء جديد لكل ما هو قيم من زمن ما قبل الانبياء!!! فالوظيفية لا يهمها اين تضع وقودها من رموز الاسطورة او الدين طالما ظل الشعب علي قناعة بقائده وخاضع لاوامره. بل تعدي الامر الي استخدام الاحجار باعتبارها جنودا حيث سيتحدث الحجر عمن يختبئ وراءه لدعم عمليات الابادة لمن يمانع الولاء او نشر الدعوة. بل ان الاصنام نشدت الشعر ايضا. جاء في كتاب تاريخ التمدن الاسلامي لجورجي زيدان أن مرداس كان له وثن يعبده وهو حجر يقال له ضمار. فلما حضرت مرداس الوفاه قال لابنه العباس يا بني اعبد ضمار فانه ينفعك ولا يضرك. فبينما العباس كان عند ضمار سمع جوف الصنم مناديا يقول:
قل للقبائل من سليم كلها ... اودي ضمار وعاش اهل المسجد
إن الذي ورث النبوة والهدي ... بعد ابن مريم من قريش مهتد.

استدعاء الكهانة والكاهن أو الساحر من زمن الوثنيات الي زمن الدين شئ طبيعي في ظل عقل لا طرائق جديدة لديه في التفكير. فهو الثروة الوحيده الموروثه للنفث في العقد علي سبيل المثال او كشف المستور بالاحتكام الي المتخاصمين بالاستخارة او ضرب القرعة. فللكهانة طقوس تبدأ بتمتمات لفظية وصوتية لا معني لها ولا يفهمها سوي الكاهن والارواح التي تساعده علي اداء المهمة. لهذا ذهب بعض البحاث في تاريخ العرب باعتبار ان فواتح السور التي هي حروف حيث احتار المسلمين في تفسيرها ليست سوي بقايا الكهانة القرشية القديمة.

كتب عبد العزيز موافي في جريده الحياه اللندنية (العدد 14037 بتاريخ 21 اغسطس 2001 بالصفحة 14) مقال هو عرض لكتاب "الهيروغليفية تفسر القرآن الكريم" لمؤلفه سعد عبد العال حيث كشف الباحث ان فواتح السور هي مختصرات حرفية لقصص اسطورة او ترانيم كهنوتية قديمة من بلاد الطرد كانت تستخدم لفك طلاسم زمن السحر وانتقلت عبر التجاور الحضاري للسكان والتماس اللغوي بين الاصل والفرع الي فقدان كثير من معانيها لاختلاف البيئة المنتجه لها عن البيئة المنقولة اليها. فما اكثر الخلط زمن الاساطير حيث الاحلال للرموز والشخوص مع المكان والزمان. فـ (هَارُوتَ وَمَارُوتَ) في مصر حسب الاثاريات المصرية لكنها فجأة اصبحت ببابل في ثقافة الشفاهية العربية الاسلامية.

تمتد قواعد الاستدعاء بالشكل الخام والبدائين مع الخلط زمانا ومكانا، لاداء مهام وظيفية دون اي نقلة نوعية في كثير من المجالات الاجتماعية والحربية والجنس والزواج وربما يطول المقال لو استعرضناها فالاستدعاء شمل كل شئ ولم يترك مجالا الا للاستفاده من استدعائاته من الوثنية القديمة. ربما نتعرض لنقطة وحيدة كمثال وليس حصرا علي نظرية الاستدعاء والاستخدام دون اي تحول نوعي بعكس طبيعة العقل العلمي الحديث الذي اقام قطيعة تامة مع هذا الاسلوب والمنهج.
فالعبودية في المجتمع الاسطوري هي ذاتها في مجتمع الجاهلية قبل ظهور الاسلام مباشرة، حيث بلغ عدد العبيد الاكثرية الساحقة. وعندما جاء الاسلام ظهر صراع علي عتق من يدخله بل واصبح من يفر من سادة قريش قمين باكتساب حريته لدخولة في الجماعة الجديدة. ولنلاحظ عدم وجود نص صريح لا لبس فيه بتحريم الرق كنقلة نوعية فيما بين الاسلام والجاهلية مثلما حدث في التاكيد امور لا اهمية لها كالخمر او الصوم او اكل لحم الخنزير. لهذا فلن نفاجا لو مددنا الزمن الي استقامته بوجود العبودبة ذاتها التي في الجاهلية بمصادرها وتمويلها للبشر وقد اصبحت جزءا من الاسلام حيث اصبحت الغزوات مصدرا للعبيد مثلما كانت الجاهلية في الحروب. واصبحت اسواق النخاسة تملأ عالم المسلمين وحتي العصر العباسي. بعدها سيطر العبيد المماليك علي مقاليد الامور في نهاية الامر. وهنا تم تخليق وعي جديد يخالف الاستدعاء الجاهلي او التنظيم الاسلامي للصحابة في تقنينهم الرق. فمن ناحية اختفت الطبقة الاجتماعية العربية الحاكمة والممتدة منذ زمن النبوة والراشدين والامويين والتي كانت حريصة علي ارث الجاهلية باستدعاء ادواتها .حيث كان اسلوب قمعها لكل تمرد او اختلاف لا يقل عن اساليب البربريات القديمة. بإختفائها بدات الثورات بالمعني الحديث قائمة علي مفهوم العمل والاستغلال مثلما حدث في ثورات الزنج والقرامطة وكثيرين نجد سردا مستفيضا لهم في كتب د. محمود اسماعيل و حسين مروة وبرهان الدين غليون وكثيرين من المستشرقين في دراستهم للواقع الاجتماعي السياسي في الزمن الاسلامي الذي لم يرتقي الي مصاف العقل العلمي لتحرير نفسه من الاسطورة او من الدين لحل مشكلة المعرفة او الاجتماع أو السياسة الا بالاستدعاءات الوثنية كما يجري الي الان فيما يسمي إعادة الاسلمة او الصحوة الاسلامية.


حوار مع د. طارق حجي


لا اعتقد ان هناك تحقير او ازدراء للاسلام في كتابات الحوار المتمدن. فالتحقير امر ينصب علي الافراد والاشخاص. الازدراء امتهان للانسان بينما الاسلام هو عقيدة وفكر وليس بشر واشخاص. ومن يحوله الي بشر ويطالب بالاعتقاد بهم او اعتبارهم كائنات فوق انسانية يجب عبادتها فانهم اول من يزرعون الازدراء والتحقير لتصنيفهم للبشر وترسيمهم في طبقات علي اسس غير موضوعية. بعد قراءة مقال د. حجي مباشرة ذهبت الي برنامج الاوفيس لكتابة تعليق وعند لحظة تضمينه في الموقع خاب املي لغياب التعليقات.
لم الحظ هذا الغياب، ويبدو اني قرات مقالة "أدبيات تحقير الاسلام" لحظة ولادتها علي الموقع وربما كنت اول من قرأها علي صفحة الحوار. وزاد اعجابي بالدكتور حجي بعد قرائتها لانه اضاف مزيدا من حسن الخلق تمسكا بادب الحوار مع احترام كامل لكل ما اتت به البشرية من اديان وعقائد اصبحت جزءا من المكون العقلي للانسانية. ومع كل هذا فان التعليق واجب وحق بل كتابة مقال مواز هو امر ضروري.
فلنذهب الي شخصيتين تاريخيتين لهما من الفضل علي البشرية ما يفوق عمل كل الانبياء. فرانسيس بيكون البريطاني ولابلاس الفرنسي. من الذي يعرف كم السفالات السياسية والاخلاقية التي كان هذين العملاقين يمارسونها؟ لقد نسيت البشرية الانحطاط الملازم لهاتين الشخصيتين ولا يتذكران منهما الا خلاصة منهجية التفكير العقلاني عند الاول والابداع الرياضي عند الثاني الذي جعل حل اي معادلة تفاضلية ممكنا مما سهل اكتشاف كل المخترعات الحديثة وخاصة في علوم الموجات. ما اردت توضيحه انه كلما كان المنجز راقيا ونافعا للبشرية باجمعها دون تفرقة للعقول كلما تناست البشرية سلبيات المبدعين وتمسكوا باقوالهم. فياتري من الذي يسب ويزدري ويحقر بيكون ولابلاس اليوم؟
اما بالنسبة للاسلام والمسيحية واليهودية فالامر مشابه. جاء بهم رجال وتحولت رسالاتهم الي مناهج تفكير وعقائد كوسيلة للتعامل مع مفردات الحياه. ورغم ذلك فلم يتحسن العقل لمعتنقي الاديان الثلاثة، او يوفرا اسلوبا لحل مشكلات رياضية او تكنولوجية تنفع البشرية. لا يجرؤ احد علي نقد افكار بيكون ولابلاس بينما يجرؤ الجميع علي نقد جميع الاديان وليس فقط الاسلام، رغم ان السب والشتم والازدراء والتحقير للرجلين حق لما فعلاه. لكن الدهشة ستنعقد بسببها السنتنا إذا ما توقفنا عند الي الازدراء والاحتقار والسب والاهانة المتبادلة بين الاديان وداخل كل دين علي حده. وهذا ما سوف اتركه ككتابة موازية للمبدعين والمستنيرين من كتاب الحوار المتمدن. ولمن هو خبير في اليهودية والمسيحية والاسلام. لحظة الاعتراف هي لحظة العقلية الشجاعة ؟ فلماذا ينسي الناس سفالات بيكون ولابلاس ويتذكروا الاستباحة سبا وشتما وقتلا فيما بين الاديان وداخل كل دين؟
تخلصت الانسانية منذ زمن طويل من تاثيرات اليهودية والمسيحية ولا يخفي علي د. حجي الكتابات والروايات والابحاث والافلام والمسرحيات التي وضعت حدا لسطوة هذين الدينين علي العقل الانساني. لم تتم هذه العملية بادب واحترام بل كان هناك تجاوزات لا نوافق عليها. ومع ذلك فهم اصحابها وورثتها ومن حق الابناء تبديد ثروة الاباء علي موائد القمار او في اللهو والمجون. فهل بدد اسبينوزا اليهودية مجانا كما يفعل حاليا السفهاء من المسلمين وهم يمسكون بالارث الاسلامي ويحولونه الي غرفة تعذيب للمسلمين مدعين انه دين رحمة وحريصين علي نقاءه وصحته؟ فمن الذي يسب الاسلام يا تري؟

وهل الوهابية حريصة علي الاسلام ام انها مهمومة باخضاع الناس سياسيا وتحقيرهم اجتماعيا تحت غطاء ديني. ما هي اهداف الاخوان المسلمين؟ اليسوا امتدادا لحركة الاخوان في السعودية التي قامت علي اكتافها الدولة السعودية. عند ذكر هذه الدولة فان القول بان اصلاح ظروف حياه المسلمين ( حسب قول د. حجي بمقاله) لا يمكن ان يتم بالتحقير. فالمملكة قامت علي القتل والارهاب والترويع قديما وحديثا. أما الجزء الحضاري فيها فتم باكملة عبر جهد وقوة عمل الملحدين والوثنيين والصليبيين والمسيحيين واليهود ومن المسلمين ضعاف الايمان مثلي الذين يتم سبهم يوميا في قنوات الديلفري الاسلامية. فلماذا يأتي التحقير ممن انصلحت ظروفهم في الثلاثين عاما الاخيرة بجهد وعمل المحتقرين (بفتح التاء والقاف وكسر الراء)؟ وكيف يمكن تفسير الواقع الحالي بان من تحسنت ظروفه بقفزة جنونية باموال النفط بفضل الامريكيين والغرب الذي يعتبر د. حجي نفسه منتميا فكريا اليهم، اصبحوا ينهشون عقل المنتجين واصحاب العمل والحضارة من اقصي الصين الي جنوب امريكا والذين ساهموا في هذا التحسن والاصلاح؟
فهل يعلم اهل الوهابية ان دولتهم قامت بفضل لابلاس وبيكون وهيوم وديكارت ونيوتن وكل علماء الكوانتم الملحدين واخرين يصعب حصرهم لكثرتهم ولثروتهم المعرفية الخالية الخرافات الدينية. ارجو عدم التعجب من اختياري الوهابية دون باقي الفرق الاسلامية. فالاسلام لم يبق فيه من شئ سوي الوهابية وما كان موروثا عند كبرائنا في السن لم يعد قائما بفضل من روجوا العروبة والمتربحين منها ثم مرروا الاسلام السياسي بعد هزائمهم المدوية.
بفضل الجهد والعمل (حسب ما تقوله الماركسية والراسمالية معا) اصبح هناك اسلام وهابي نفطي يتم توصيله للمنازل عبر ديلفري الفضائيات، لو عرض علي بشر من اكلة لحوم البشر لوقفنا مع اكلة لحوم البشر ضده. فحتي لو تحسن حال اكلة لحوم البشر فلن يكون من الحكمة اعتناقهم هذا النوع من الاسلام (الوهابية) لانه سيعيدهم مجددا ليكونوا اكلة لحوم بشر بقدسية دينية.
لم تصمت الانسانية في فترات النهوض والتنوير علي الاهانات المتكررة للبشر في ايات بينات من الكتاب المقدس و بالصمت ازاء اهانة الاديان لبني آدم وتحقيرهم وتقسيمهم الي فئات بل وتصنيفهم الي ما هم اقرب للحيوانات علي جانب ومن يجلسون في سدرة المنتهي يجنون الملذات بدون اي مبرر علي جانب آخر. وهنا ساستعير بعضا مما لوثت به عقلي من الماركسية التي ملات فضاء العرب والمسلمين ومرت عليهم كريح صرصر ولم تترك اي بصمة علي عقولهم. كتب د. حجي ” ومن الواضح ان معظم كتاب الموقع من الماركسيين لا يشاركوا فى هذه العملية (عملية تحقير واهانة الاسلام) ... فالماركسي الحقيقي لا يمكن ان يسير على أديم هذه الطريق الخاسرة . ان اصلاح احوال المسلمين المعاصرين وحال المجتمعات ذات الأغلبية المسلمة لا تتأتى بتحقير واهانة الاسلام وانما (فقط) بتحسين الظروف الحياتية وتحديث التعليم بهذه المجتمعات ... "
عزيز د. حجي، لقد تحسنت احوال الدولة المنتجة للاسلام ولم يعد لهم حاجة الي اصطياد الضب او الجراد وما زالت سلامة تغني في بيت ابو الوفا سبا وشتما. في الزمن الجميل قالت ام كلثوم سلام الله علي الاغنام. اما الغناء الحديث للوهابية فهو عدم القاء السلام علي النصاري واليهود وفرنسيس بيكون وديكارت ونيوتن والشغيلة العاملين في السعودية من كل بقاع الارض الذين لم يدافع الاخوة المراكسة عن حقوقهم العمالية. فهل يجوز الافتخار بالمراكسة الصامتين (كما قال د. حجي) علي سلب الجهد الانساني عضليا وفكريا لتضخيم السلف الصالح علي الطريقة الوهابية بينما هم يدافعون بكل قوة عن الفوائض وقيمة العمل؟ فالصمت تآمر.
تساءلت عن الاحوال التي فاقت التحسين الي ما بعد الرفاهية عند الوهابية ودول الخليج ومازال عقلها الديني من الانحطاط ويمرر امورا يانف منها عقل اكلة لحوم البشر. صحيح ان اخواننا من اصحاب فكرة دكتاتورية طبقة علي طبقة لا يشاركون فيما يسميه د. حجي احتقارا وازدراءا لكنهم وبكل اسف يشاركون الوهابية الاسلامية بالصمت علي افعالها بل ووصل الامر وبصلافة وبجاحة ان يؤيد بعضهم الاسلام السياسي لانتسابه في بعض من اصولهما الفكرية الي الدكتاتورية. وبعدها سيبدأ الاختلاف بينهما عندما ياتي السؤال، دكتاتورية من؟ البروليتاريا ام المؤمنين بكتاب الله وسنة رسوله. فهناك رابطة قبلية لم تنفصم عراها بعد بين تربط القومية العربية واليسار العربي والاسلام ببعضهم البعض .
تقسيم الكتاب الي ماركسيين لا يشاركون (نقدا وليس تجريحا) لن يعفيهم من محاكمة الاسلام العادلة لهم. فكبيرهم قال الدين افيون الشعوب. وهي كلمة بليغة وجامعة لم يكن لابو جهل بقدراته البلاغية ان يصوغ مثلها. رحم الله ابو جهل وليرحم الله الماركسيين ايضا.